آخر الأخبار

أزمة طاحنة بين الجزائر وفرنسا : طرد متبادل لدبلوماسيين يعمّق الهوة بين البلدين


لم تكن الأزمة الأخيرة بين الجزائر وفرنسا سوى حلقة جديدة في سلسلة توترات تشهدها العلاقة بين البلدين، علاقة كثيرًا ما خضعت لتقلبات التاريخ، وتعقيدات الحاضر، وغموض المستقبل. فالطابع المفاجئ للتصعيد – المتمثل في تبادل طرد دبلوماسيين إثر قضية اختطاف معارض جزائري في فرنسا – لا يخفي أن جذور الخلاف أعمق بكثير من تفاصيل هذا الحادث نفسه، بل تعود إلى تراكمات ثقيلة تتقاطع فيها السيادة، والذاكرة، والمصالح الجيوسياسية



الشرارة التي فجّرت الوضع كانت حادثة وصفتها  باريس بأنها "اختطاف على الأراضي الفرنسية"، حيث أقدم ثلاثة جزائريين – من بينهم موظف في القنصلية الجزائرية على تنفيذ عملية اختطاف الناشط الجزائري المعارض بوعلام صنصال المقيم في فرنسا، والذي يُعرف بمواقفه الحادة تجاه السلطات الجزائرية، قبل أن يُعثر عليه في الجزائر لاحقًا.

السلطات الفرنسية سارعت إلى توقيف المشتبه فيهم ووجهت لهم تهمًا ثقيلة تتعلق بـ"الانتماء إلى جماعة إجرامية إرهابية"، ما فتح الباب أمام أزمة دبلوماسية مكتملة الأركان
 

الجزائر، من جهتها، نفت الرواية الفرنسية بشدة، واعتبرت ما حدث "حملة سياسية وقضائية" تفتقر للأدلة وتستهدف الإساءة لعلاقات التعاون بين البلدين. وما زاد من تعقيد المشهد أن أحد المتهمين يتمتع بوضع دبلوماسي، ما أثار غضب الجزائر واعتبرته انتهاكًا صارخًا لاتفاقية فيينا التي تضمن الحصانة للموظفين القنصليين.
 

رد الفعل كان سريعًا ومتبادلًا: باريس قررت طرد 12 دبلوماسيًا جزائريًا، بعدما أن قامت الجزائر مسبقا بنفس الخطوة ، وتدل على أن الأزمة تجاوزت الطابع الجنائي أو الأمني، لتدخل مربعًا أشد تعقيدًا يتداخل فيه السيادي مع السياسي، والتاريخي مع الاستراتيجي.


المثير في الأمر هو  أن هذا التوتر جاء بعد  15 يوم فقط من تعهد الرئيسين ماكرون وتبون، بكل جدية بـ"استئناف الحوار"، لكن ما إن جف حبر التصريحات حتى بدا واضحًا أن "الحوار" لا يملك مفاتيح الدخول إلى قنوات التواصل الحقيقية.


ما يُقلق أكثر هو السياق العام الذي جاءت فيه هذه المواجهة. فالعلاقات لم تكن تعيش شهر عسل في الأصل. فقد ازدادت الهوة اتساعًا منذ اتخاذ فرنسا موقفًا واضحًا من قضية الصحراء المغربية ، وهو ما رأت فيه الجزائر انحيازًا غير مبرر. إلى جانب ذلك، يثير ملف المعارضين الجزائريين في فرنسا حساسية شديدة لدى السلطات الجزائرية، التي تعتبر هذا "الاحتضان" الغربي نوعًا من التدخل المقنّع.


غير أن الأزمة لا تقف عند حدود العواصم. فالمتضرر الأول منها هو المواطن العادي، سواء أكان طالبًا ينتظر تأشيرة، أو مقيمًا عالقًا في دوامة الإجراءات القنصلية، أو رجل أعمال يحاول إنقاذ مشروع عابر للمتوسط. أما الجالية الجزائرية في فرنسا، فتجد نفسها، كما في كل مرة، بين مطرقة الصراعات السياسية وسندان الشكوك المتبادلة.


و تكشف الأزمة الراهنة أن العلاقات الجزائرية الفرنسية لا تزال رهينة ذاكرة مثقلة، وتوجسات سيادية تُعيق أي تقارب فعلي. وبين خطاب رسمي يُراهن على الشراكة وسلوك دبلوماسي يُكرّس القطيعة، تضيع فرص بناء حوار ناضج. فبدون إرادة سياسية تتجاوز منطق التصعيد، ستظل هذه العلاقة محكومة بالتوتر، ومعرّضة للانفجار عند كل منعطف
 

 


أزمة دبلوماسية، الجزائر، فرنسا، طرد دبلوماسيين، العلاقات الثنائية، تصعيد دبلوماسي


Aicha Bouskine
عائشة بوسكين صحافية خريجة المعهد العالي للإعلام والاتصال، باحثة في العلوم السياسية وصانعة محتوى في إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الخميس 17 أبريل 2025

              

Bannière Réseaux Sociaux

Bannière Lodj DJ















تحميل مجلة لويكاند






Buy cheap website traffic