السلطات الفرنسية سارعت إلى توقيف المشتبه فيهم ووجهت لهم تهمًا ثقيلة تتعلق بـ"الانتماء إلى جماعة إجرامية إرهابية"، ما فتح الباب أمام أزمة دبلوماسية مكتملة الأركان
الجزائر، من جهتها، نفت الرواية الفرنسية بشدة، واعتبرت ما حدث "حملة سياسية وقضائية" تفتقر للأدلة وتستهدف الإساءة لعلاقات التعاون بين البلدين. وما زاد من تعقيد المشهد أن أحد المتهمين يتمتع بوضع دبلوماسي، ما أثار غضب الجزائر واعتبرته انتهاكًا صارخًا لاتفاقية فيينا التي تضمن الحصانة للموظفين القنصليين.
رد الفعل كان سريعًا ومتبادلًا: باريس قررت طرد 12 دبلوماسيًا جزائريًا، بعدما أن قامت الجزائر مسبقا بنفس الخطوة ، وتدل على أن الأزمة تجاوزت الطابع الجنائي أو الأمني، لتدخل مربعًا أشد تعقيدًا يتداخل فيه السيادي مع السياسي، والتاريخي مع الاستراتيجي.
المثير في الأمر هو أن هذا التوتر جاء بعد 15 يوم فقط من تعهد الرئيسين ماكرون وتبون، بكل جدية بـ"استئناف الحوار"، لكن ما إن جف حبر التصريحات حتى بدا واضحًا أن "الحوار" لا يملك مفاتيح الدخول إلى قنوات التواصل الحقيقية.
ما يُقلق أكثر هو السياق العام الذي جاءت فيه هذه المواجهة. فالعلاقات لم تكن تعيش شهر عسل في الأصل. فقد ازدادت الهوة اتساعًا منذ اتخاذ فرنسا موقفًا واضحًا من قضية الصحراء المغربية ، وهو ما رأت فيه الجزائر انحيازًا غير مبرر. إلى جانب ذلك، يثير ملف المعارضين الجزائريين في فرنسا حساسية شديدة لدى السلطات الجزائرية، التي تعتبر هذا "الاحتضان" الغربي نوعًا من التدخل المقنّع.
غير أن الأزمة لا تقف عند حدود العواصم. فالمتضرر الأول منها هو المواطن العادي، سواء أكان طالبًا ينتظر تأشيرة، أو مقيمًا عالقًا في دوامة الإجراءات القنصلية، أو رجل أعمال يحاول إنقاذ مشروع عابر للمتوسط. أما الجالية الجزائرية في فرنسا، فتجد نفسها، كما في كل مرة، بين مطرقة الصراعات السياسية وسندان الشكوك المتبادلة.
و تكشف الأزمة الراهنة أن العلاقات الجزائرية الفرنسية لا تزال رهينة ذاكرة مثقلة، وتوجسات سيادية تُعيق أي تقارب فعلي. وبين خطاب رسمي يُراهن على الشراكة وسلوك دبلوماسي يُكرّس القطيعة، تضيع فرص بناء حوار ناضج. فبدون إرادة سياسية تتجاوز منطق التصعيد، ستظل هذه العلاقة محكومة بالتوتر، ومعرّضة للانفجار عند كل منعطف