وفي الوقت الذي تستمر فيه الحكومة في تنفيذ هذا الورش الاجتماعي الضخم، أشار لقجع إلى أن المرحلة المقبلة ستعرف مراجعة دقيقة للعتبة التي تُعتمد في تحديد الأسر المؤهلة، بهدف تعزيز دقة الاستهداف وتفادي التوزيع الأفقي للدعم الذي قد يفوّت على الفئات الأكثر هشاشة فرصة الاستفادة الكاملة. هذه المراجعة المنتظرة تحمل دلالة سياسية واضحة: الحكومة تحاول الانتقال من مجرد التعميم الاجتماعي إلى التخصيص الذكي، ما يعكس تحولا في الفلسفة الاجتماعية للدولة، من تقديم الدعم على أساس كمي، إلى التركيز على البعد النوعي والتأثير المباشر على الفئات المعوزة.
في المقابل، لم تغفل الحكومة سؤال التمويل، إذ أكد الوزير أن الرافعة الأساسية التي مكنت من تمويل هذا المشروع الاجتماعي هي الإصلاح الضريبي العميق الذي أطلقته الحكومة منذ بداية ولايتها. هذا الإصلاح، الذي يصفه فاعلون في المالية العمومية بأنه غير مسبوق، ساهم في رفع المداخيل الضريبية إلى 100 مليار درهم إضافية بحلول نهاية 2024، دون أن يؤدي ذلك إلى أي زيادة في الضغط الضريبي على المواطن. ويُعزى هذا الإنجاز إلى توسيع الوعاء الضريبي بدل رفع المعدلات، وخاصة بفضل اعتماد الاقتطاع من المنبع الذي مكن من تحسين مردودية التحصيل وتحقيق العدالة في توزيع العبء الضريبي.
اللافت في هذا السياق أن هذه الموارد الضريبية لم تُخصص فقط للدعم الاجتماعي، بل مكنت أيضًا من تمويل زيادة الأجور في القطاعين العام والخاص، وهو ما يشكل نقطة قوة للحكومة الحالية، التي نجحت في خلق توازن دقيق بين الوفاء بالتزاماتها الاجتماعية والحفاظ على استقرار التوازنات الماكرو-اقتصادية. وفي هذا الصدد، أبرز لقجع أن نسبة العجز تراجعت إلى 3.5% فقط، في حين انخفض معدل المديونية إلى 69%، وهي أرقام تعكس استعادة تدريجية لهوامش الميزانية وتحسناً في مؤشرات الثقة والاستقرار المالي، مقارنة بما كانت عليه الوضعية في السنوات التي أعقبت الجائحة.
هذه المعطيات لا يمكن فصلها عن الدينامية التي يعرفها ورش السجل الاجتماعي الموحد، الذي بات يشكل العمود الفقري لسياسات الاستهداف الاجتماعي، بفضل بنيته الرقمية وتكامله مع باقي الأنظمة المعلوماتية. وقد حرصت الحكومة على ربط هذا الورش بإصلاح المنظومة القانونية، بهدف منع أي تلاعبات أو استفادات غير مستحقة، وتطوير آليات المراقبة والتتبع. كما أن مشروع القانون الجنائي المنتظر سيعزز الجانب الزجري، في حالة التصريح الكاذب أو استعمال بيانات الغير، مما يعكس بوضوح رغبة الدولة في الانتقال نحو حكامة صارمة في المجال الاجتماعي.
لكن رغم هذه النجاحات المعلنة، يطرح مراقبون سؤال العدالة الاجتماعية بمستوى أعمق: هل يكفي نجاح آليات الدعم المباشر لضمان استدامة الحماية الاجتماعية؟ وهل يكفي أن تُضخ الموارد المالية في شكل إعانات لتجاوز أعطاب بنيوية تطال التعليم والصحة والشغل؟ الواقع أن هذا الدعم يجب أن يُفهم في سياقه العام كأداة مرحلية، تتكامل مع إصلاحات أخرى أعمق. غير أن الأكيد، بحسب عدد من المتتبعين، أن مشروع الدعم المباشر أتاح للدولة لأول مرة أداة دقيقة وعملية للتعرف على خريطة الفقر والهشاشة، ما يُمكّن من بلورة سياسات اجتماعية تستند إلى معطيات واقعية لا إلى مجرد تقديرات ظرفية أو سياسية