يصنف السكري من النوع الأول كمرض مناعي ذاتي، حيث يهاجم جهاز المناعة خلايا بيتا في البنكرياس، وهي الخلايا المسؤولة عن إنتاج الأنسولين، ما يضطر المريض إلى الاعتماد على الحقن اليومية أو مضخة الأنسولين مدى الحياة. ويصيب هذا النوع من السكري ملايين الأشخاص حول العالم، معظمهم من الأطفال والشباب، مما يضع عبئًا نفسيًا واقتصاديًا على الأسر والأنظمة الصحية على حد سواء. ورغم التقدم الكبير في أجهزة المراقبة والعلاج، ظل الهدف الأسمى للأطباء والعلماء هو القضاء على الحاجة الدائمة للأنسولين الخارجي، وهو ما بدا لعقود حلمًا بعيد المنال.
منذ سنوات، جرت محاولات لزرع خلايا بيتا مأخوذة من بنكرياس متبرعين متوفين، بهدف استعادة القدرة الطبيعية على إنتاج الأنسولين. لكن هذه التقنية اصطدمت بعقبتين كبيرتين: ندرة المتبرعين، والحاجة إلى علاج مثبط للمناعة مدى الحياة، وهو ما جعلها حلًا محدودًا يقتصر على الحالات الأكثر خطورة. التحول الكبير جاء مع إمكانية إنتاج خلايا بيتا صناعية في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية. هذه الخلايا، التي يمكن برمجتها لتتحول إلى خلايا منتجة للأنسولين، فتحت الباب أمام علاج مستدام لا يعتمد على المتبرعين.
وتستحضر الصحافة العلمية العالمية قصة ملهمة للعالم الأمريكي دوغلاس ميلتون، أستاذ البيولوجيا في جامعة هارفارد، الذي دفعته إصابة ابنه الرضيع بالسكري عام 1992 إلى تكريس حياته العلمية للبحث عن علاج جذري. بعد أكثر من عشرين عامًا من التجارب، تمكن ميلتون من برمجة الخلايا الجذعية لإنتاج خلايا بيتا صناعية، وأسّس شركة “سيما ثيرابيوتكس” التي أصبحت لاحقًا جزءًا من العملاق الدوائي “فيرتكس”. هذه الجهود لم تبق حبرًا على ورق، بل تُرجمت إلى أولى التجارب السريرية التي نشرت نتائجها في يونيو 2025 في مجلة نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسين.
التجربة التي شملت أربعة عشر مريضًا اعتمدت على حقن مئات الملايين من خلايا بيتا المشتقة من خلايا جذعية في الكبد. وبعد عام واحد من المتابعة، تمكن عشرة مرضى من الاستغناء كليًا عن الأنسولين الخارجي، بينما استعاد الآخرون إنتاجًا جزئيًا. ورغم وفاة مشاركين اثنين لأسباب غير مرتبطة مباشرة بالخلايا المزروعة، اعتُبرت النتائج ثورية وأثارت موجة من الأمل في الأوساط الطبية.
لم تتوقف الأبحاث عند هذا الحد. ففي الصين، تمكن أطباء عام 2024 من استخدام خلايا جذعية مأخوذة من نسيج دهني لمريضة شابة وزرعها في عضلات البطن، لتبدأ لاحقًا في إنتاج الأنسولين بشكل طبيعي. وفي السويد، جاءت خطوة أكثر جرأة، حيث نجح فريق بحثي في تعديل الخلايا الجذعية جينيًا باستخدام تقنية كريسبر لتعطيل الجينات التي تجعلها مرئية لجهاز المناعة، ما ألغى الحاجة إلى الأدوية المثبطة.
ورغم الحماس الكبير، يحذر العلماء من الإفراط في التفاؤل. فالنتائج ما تزال في مراحلها التجريبية الأولى، ولم تُحسم بعد قضايا جوهرية مثل السلامة طويلة الأمد، مخاطر الانقسام غير المنضبط للخلايا، أو احتمالية ظهور مضاعفات غير متوقعة. لكن، وللمرة الأولى، يبدو أن الجمع بين إنتاج دائم لخلايا الأنسولين وحمايتها من المناعة الذاتية دون أدوية قد يكون في المتناول.
يعتبر خبراء الصحة هذه التطورات بمثابة ثورة طبية قد تغيّر حياة الملايين. وإذا أثبتت هذه التجارب نجاحها على نطاق واسع، فإن عبارة “وداعًا لحقن الأنسولين” قد تتحول من مجرد عنوان صحفي مثير إلى حقيقة طبية تنقل البشرية من مرحلة التعايش مع المرض إلى الانتصار عليه.
بقلم هند الدبالي
منذ سنوات، جرت محاولات لزرع خلايا بيتا مأخوذة من بنكرياس متبرعين متوفين، بهدف استعادة القدرة الطبيعية على إنتاج الأنسولين. لكن هذه التقنية اصطدمت بعقبتين كبيرتين: ندرة المتبرعين، والحاجة إلى علاج مثبط للمناعة مدى الحياة، وهو ما جعلها حلًا محدودًا يقتصر على الحالات الأكثر خطورة. التحول الكبير جاء مع إمكانية إنتاج خلايا بيتا صناعية في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية. هذه الخلايا، التي يمكن برمجتها لتتحول إلى خلايا منتجة للأنسولين، فتحت الباب أمام علاج مستدام لا يعتمد على المتبرعين.
وتستحضر الصحافة العلمية العالمية قصة ملهمة للعالم الأمريكي دوغلاس ميلتون، أستاذ البيولوجيا في جامعة هارفارد، الذي دفعته إصابة ابنه الرضيع بالسكري عام 1992 إلى تكريس حياته العلمية للبحث عن علاج جذري. بعد أكثر من عشرين عامًا من التجارب، تمكن ميلتون من برمجة الخلايا الجذعية لإنتاج خلايا بيتا صناعية، وأسّس شركة “سيما ثيرابيوتكس” التي أصبحت لاحقًا جزءًا من العملاق الدوائي “فيرتكس”. هذه الجهود لم تبق حبرًا على ورق، بل تُرجمت إلى أولى التجارب السريرية التي نشرت نتائجها في يونيو 2025 في مجلة نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسين.
التجربة التي شملت أربعة عشر مريضًا اعتمدت على حقن مئات الملايين من خلايا بيتا المشتقة من خلايا جذعية في الكبد. وبعد عام واحد من المتابعة، تمكن عشرة مرضى من الاستغناء كليًا عن الأنسولين الخارجي، بينما استعاد الآخرون إنتاجًا جزئيًا. ورغم وفاة مشاركين اثنين لأسباب غير مرتبطة مباشرة بالخلايا المزروعة، اعتُبرت النتائج ثورية وأثارت موجة من الأمل في الأوساط الطبية.
لم تتوقف الأبحاث عند هذا الحد. ففي الصين، تمكن أطباء عام 2024 من استخدام خلايا جذعية مأخوذة من نسيج دهني لمريضة شابة وزرعها في عضلات البطن، لتبدأ لاحقًا في إنتاج الأنسولين بشكل طبيعي. وفي السويد، جاءت خطوة أكثر جرأة، حيث نجح فريق بحثي في تعديل الخلايا الجذعية جينيًا باستخدام تقنية كريسبر لتعطيل الجينات التي تجعلها مرئية لجهاز المناعة، ما ألغى الحاجة إلى الأدوية المثبطة.
ورغم الحماس الكبير، يحذر العلماء من الإفراط في التفاؤل. فالنتائج ما تزال في مراحلها التجريبية الأولى، ولم تُحسم بعد قضايا جوهرية مثل السلامة طويلة الأمد، مخاطر الانقسام غير المنضبط للخلايا، أو احتمالية ظهور مضاعفات غير متوقعة. لكن، وللمرة الأولى، يبدو أن الجمع بين إنتاج دائم لخلايا الأنسولين وحمايتها من المناعة الذاتية دون أدوية قد يكون في المتناول.
يعتبر خبراء الصحة هذه التطورات بمثابة ثورة طبية قد تغيّر حياة الملايين. وإذا أثبتت هذه التجارب نجاحها على نطاق واسع، فإن عبارة “وداعًا لحقن الأنسولين” قد تتحول من مجرد عنوان صحفي مثير إلى حقيقة طبية تنقل البشرية من مرحلة التعايش مع المرض إلى الانتصار عليه.
بقلم هند الدبالي