حياتنا

نعم، لم أكن أعلم أن دور العجزة موجودة في المغرب!


يشهد المغرب في السنوات الأخيرة تزايدًا ملحوظًا في عدد المسنين المقيمين بدور الرعاية، في مؤشر يعكس تحولات اجتماعية عميقة تطال بنية الأسرة وعلاقاتها الداخلية. ورغم أن المجتمع المغربي يعتز بقيم التضامن العائلي وصلة الرحم، فإن واقع هذه المؤسسات يكشف عن جانب مسكوت عنه في النقاش العمومي، يتعلق بوضعية كبار السن وظروف عيشهم بعيدًا عن أحضان أسرهم



جملة عفوية من شاب مغربي في أحد أحياء الدار البيضاء : «بصراحة، ما كنتش عارف كاينة دور للعجزة فالمغرب»، كانت كافية لتهزّ وعينا وتدفعنا لطرح السؤال الجوهري: كيف يمكن لمؤسسات تحتضن 7.900 مسنٍّ أن تغيب عن إدراك الجماعة؟ كيف يصبح كيان كامل من كبار السن، واقعًا موازيًا، لا نسمع عنه إلا عرضًا أو عرضياً، وربما فقط عندما نمر بجانب جدرانه الباهتة؟
 

بلغة الأرقام وحسب تصريحات كاتب الدولة المكلف بالإدماج الاجتماعي، عبدالجبار الرشيدي ، يضم المغرب اليوم 92 مؤسسة اجتماعية مخصصة لكبار السن، موزعة على جهات المملكة، منها 71 مؤسسة للإقامة الدائمة. ولكن، ما قيمة الأرقام إن كانت محاطة بهذا القدر من التعتيم أو التجاهل؟ قفي الثقافة الشعبية، ما تزال دار العجزة وصمة عار، لا مؤسسة رعاية. ويُنظر إلى إرسال الوالدين إليها على أنه نفي للبر، وتنكّر لجميل العمر.


ورغم أهمية هذه الأرقام في ظاهرها، إلا أنها تكشف عمق المشكلة: لماذا لا يعرف المغاربة شيئاً عن هذه الدور؟ لماذا لا نراها في الإعلام، ولا تُذكر في النقاشات العمومية، ولا تُطرح في البرامج التربوية أو الحملات الوطنية؟ الجواب بسيط ومعقّد في آن واحد: ثقافتنا الجماعية ما زالت تعتبر أن وضع أحد الوالدين في دار للعجزة هو خيانة أخلاقية أو فشل اجتماعي.
 

لكن الواقع تغيّر. التحوّلات الحضرية، الهجرة، تغيّر البنية الأسرية، وضغط الحياة المعاصرة، جعلت من الصعب على آلاف الأسر أن توازن بين العمل ورعاية كبارها، خاصة حين تقترن الشيخوخة بالفقر أو المرض أو العزلة. والمثير للقلق، أن عدد كبار السن في المغرب بلغ 5 ملايين عام 2024، وسيرتفع إلى 10 ملايين في أفق 2050، أي ربع السكان تقريبًا.
 

فهل نحن مستعدون، حقًا، لاستقبال هذا التحول العميق؟

الأسرة لم تعد تكفي


صحيح أن المغاربة يُعرفون بقيم التكافل العائلي، لكن الزمن تغيّر. التحوّل الحضري، وظروف العمل، والهجرة الداخلية والخارجية، كلها جعلت من الصعب على الأبناء أن يكونوا سنداً دائماً لآبائهم. أضف إلى ذلك، أن المغرب يشهد تحولاً ديمغرافياً مقلقاً : في سنة 2024، كان عدد كبار السن يناهز 5 ملايين، ويتوقع أن يصل إلى 10 ملايين شخص سنة 2050، أي ربع سكان المغرب.


هذا يعني أن السؤال لم يعد: "كيف نحمي المسنين؟"، بل أصبح: "هل نحن مستعدون لتحمل هذا التحول؟" دور العجزة… ملاجئ الكرامة الصامتة بعيداً عن الصورة النمطية لدور التقاعد في الدول الغربية، فإن مؤسسات كبار السن في المغرب ليست فنادق فخمة أو مصحات فارهة، بل هي فضاءات للرعاية الأساسية، تستقبل من لا أهل لهم ولا موارد، وغالباً من يعيشون في عزلة أو فقر مدقع.


71 مؤسسة منها توفّر إقامة دائمة، فيما يقدّم البعض الآخر خدمات يومية تشمل التغذية، الرعاية الصحية الأولية، والأنشطة الترفيهية، دورها إنساني بامتياز، لكنها ما تزال مجهولة، غير ممولة بما يكفي، وتكاد تكون مهمّشة في السياسات العمومية. من الإقصاء إلى الكرامة الدولة أطلقت خطة وطنية لتشجيع الشيخوخة النشطة (2023-2030)، تطمح إلى تحويل الشيخوخة من مرحلة "نهاية" إلى بداية جديدة.


الهدف هو أن يستمر كبار السن في العطاء، وأن يُنظر إليهم كخزائن للتجربة والمعرفة، لا كعبء على المجتمع. لكن النية لا تكفي. الأمر يتطلب استثماراً في الكفاءات الاجتماعية، تكوين مساعدات ومساعدين اجتماعيين، توفير بنية تحتية محترمة، وتغيير نظرة المجتمع نحو كبار السن. 

 

لا نحتاج فقط إلى مبانٍ... بل إلى ذاكرة حية

 

دور العجزة في المغرب، رغم قلّتها، تحمل ذاكرة وطن. خلف كل باب هناك حكاية، خلف كل سرير قصة أمّ أو أبٍ أفنوا أعمارهم في العمل والتربية والعطاء. هؤلاء لا يحتاجون فقط إلى سقف، بل إلى اعتراف بوجودهم، إلى مجتمع لا يُقصيهم من المخيلة الجماعية، ولا يطوي صفحتهم بمجرد أن يشتعل الرأس شيبًا.
 

نعم، هناك دور للعجزة في المغرب. لكنها ما تزال تعيش خلف الستار.
 

والسؤال الآن ليس: هل نُشيّد المزيد منها؟ بل: هل نملك الشجاعة لننظر في أعين من فيها، ونقول لهم: أنتم لستم منسيين؟
 

لعلّها بداية وعي جديد… وكرامة مؤجلة حان أوان استرجاعها

 

الشيخوخة، دار العجزة، مؤسسات الرعاية الاجتماعية، المسنون في المغرب، التضامن العائلي، التحولات الأسرية


Aicha Bouskine
عائشة بوسكين صحافية خريجة المعهد العالي للإعلام والاتصال، باحثة في العلوم السياسية وصانعة محتوى في إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الخميس 24 يوليوز 2025

              

آخر الأخبار | حياتنا | صحتنا | فن وفكر | لوديجي ستوديو | كتاب الرأي | هي أخواتها | تكنو لايف | بلاغ صحفي | لوديجي ميديا [L'ODJ Média] | المجلة الأسبوعية لويكاند | اقتصاديات | كلاكسون


Bannière Réseaux Sociaux

Bannière Lodj DJ
















تحميل مجلة لويكاند







Buy cheap website traffic