يأتي هذا الإعلان من باريس في وقت تشهد فيه المنطقة صراعات متواصلة، حيث كتب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي قائلاً: "وفاءً بالتزامنا التاريخي من أجل سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط، قررت فرنسا الاعتراف بدولة فلسطين، وسأعلن ذلك رسمياً في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل. الأولوية الآن هي وقف الحرب في غزة وإنقاذ المدنيين".
ترافق هذا الإعلان مع إعلان مشترك بين فرنسا والمملكة العربية السعودية عن عقد مؤتمر دولي يضم رؤساء الدول والحكومات لإحياء عملية "حل الدولتين"، التي تمثل محور العديد من المبادرات الدبلوماسية للسلام في الشرق الأوسط على مدار العقود الماضية. وعلى الرغم من أن الاعتراف كان مرتقباً منذ الربيع، إلا أن تصاعد الحرب بين إسرائيل وإيران أجّل الإعلان الرسمي، كما أن موقع فرنسا كعضو دائم في مجلس الأمن جعلها تتردد في اتخاذ موقف أحادي حتى هذه اللحظة، مما يزيد من حساسية وجرأة القرار.
وفي رسالة وجهها ماكرون إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أكد أن الهدف من الاعتراف هو "الإسهام بشكل حاسم في السلام في الشرق الأوسط"، مشدداً على ضرورة أن تكون الدولة الفلسطينية قابلة للحياة، منزوعة السلاح، ومعترفة بإسرائيل لضمان الأمن المشترك في المنطقة. وأوضح وزير الخارجية الفرنسي جان-نوال بارو أن القنصل الفرنسي في القدس سلّم الرسالة رسمياً إلى الجانب الفلسطيني، معتبراً أن الرئيس ملتزم شخصياً بهذه الخطوة وسيؤكد ذلك في الأمم المتحدة.
في الجانب الفلسطيني، قوبل القرار بترحيب حذر، حيث وصف نائب رئيس منظمة التحرير حسين الشيخ القرار بأنه "تاريخي"، معرباً عن شكره لفرنسا على دعمها حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير. بينما رحبت حركة "حماس" بالخطوة واعتبرتها "اتجاهاً إيجابياً"، داعية بقية الدول، خاصة الأوروبية منها، إلى السير على خطى فرنسا. في المقابل، أبدى المواطنون الفلسطينيون مشاعر متباينة، إذ عبر كثيرون عن أمل بحصول تغييرات، بينما تراجع آخرون عن تفاؤلهم، معتبرين أن الاعتراف وحده لن يغير الواقع على الأرض ما لم يتبعه إجراءات ملموسة.
ردّت إسرائيل بغضب شديد على هذا الإعلان، حيث وصف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو القرار بأنه "مكافأة للإرهاب"، محذراً من أن الاعتراف الفرنسي قد يحول فلسطين إلى "وكيل جديد لإيران" في المنطقة. أما وزير العدل الإسرائيلي، ياريف ليفين، فقد اعتبر القرار "وصمة عار في تاريخ فرنسا" و"دعماً مباشراً للإرهاب"، مطالباً بفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية. هذه التصريحات تعكس حجم التوتر الذي أحدثه القرار الفرنسي داخلياً وعالمياً.
يُذكر أن فرنسا تنضم بهذه الخطوة إلى أكثر من 140 دولة عضو في الأمم المتحدة اعترفت بدولة فلسطين، وهو ما يمثل حوالي ثلاثة أرباع أعضاء المنظمة. رغم أن الاعتراف الدولي بفلسطين بدأ في أواخر الثمانينيات، شهدت الأشهر الأخيرة اعترافات إضافية نتيجة تفاقم النزاع في غزة. ومع ذلك، لا تزال الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وكندا واليابان من بين الدول التي لم تعترف رسمياً بدولة فلسطين، ما يعكس انقسامات عميقة في المجتمع الدولي حول هذه القضية.
يبدو أن باريس تسعى من خلال هذا القرار إلى إعادة التموضع على الساحة الدولية والدبلوماسية، لتخرج من دور الحياد إلى دور فاعل يسعى لدفع جهود السلام، ولو عبر خطوات رمزية في منطقة معقدة تحيط بها التوترات. تبقى التساؤلات حول مدى قدرة فرنسا على دعم هذا الاعتراف سياسياً واقتصادياً، وما إذا كانت ستتبعه بخطوات فعلية تفرض احترام الدولة الفلسطينية الجديدة في المؤسسات الدولية ومفاوضات السلام.