ويرتبط ارتفاع نسبة النساء المعيلات بتغيرات في البنية الأسرية، من بينها انخفاض معدلات زواج القاصرات وارتفاع نسب الطلاق والعزوبة. فبينما سجلت معدلات زواج القاصرات تراجعًا ملحوظًا، وصل الطلاق الاتفاقي إلى 89.3% سنة 2024، في مؤشر على تحول القيم الزوجية وإعطاء المرأة القدرة على التحكم في مسار حياتها الأسرية. ويظهر هذا الواقع أن النساء المعيلات يواجهن ضغوطًا مزدوجة بين مسؤوليات الأسرة ومتطلبات المعيشة اليومية.
وتنعكس هذه الضغوط على المشاركة الاقتصادية للمرأة، حيث بلغت نسبة مشاركة النساء في الاقتصاد الوطني 19.8% سنة 2022، فيما بلغ معدل البطالة بين الإناث 16.8% مقارنة بـ10.9% لدى الذكور، وارتفع هذا المعدل بين الحاصلات على مؤهلات عليا في المدن إلى 31.7%. وتوضح هذه الأرقام أن النساء المعيلات يتحملن عبئًا مزدوجًا، ما يجعل تمكينهن الاقتصادي أولوية ملحة للسياسات الاجتماعية والاقتصادية.
ويأتي التعليم كأداة رئيسية لتمكين المرأة، إذ تجاوزت نسب إتمام الدراسة لدى الإناث نسب الذكور في الثانوي الإعدادي (78.4%) والثانوي التأهيلي (61%) سنة 2022، كما بلغت نسبة التأنيث في الشهادات العليا 81% في طب الأسنان، و72% في علوم التربية، و69.7% في التجارة والتسيير. ويشكل هذا التمكين التعليمي أساسًا لتعزيز استقلالية المرأة الاقتصادية والاجتماعية، خصوصًا بالنسبة للنساء المعيلات اللاتي يعتمدن على مؤهلاتهن في كسب رزقهن وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
ومع ذلك، تستمر التحديات، حيث بلغت نسبة النساء اللواتي يتعرضن للعنف 57.1%، بينما لا تزال فجوة التمثيل السياسي واضحة، ما يحد من قدرة النساء على التأثير المباشر في صياغة السياسات التي تمس حياتهن اليومية. ويؤكد هذا الواقع أن التمكين الاقتصادي والتعليمي وحده لا يكفي، بل يحتاج إلى دعم مؤسساتي واجتماعي شامل يحمي النساء من العنف ويوفر لهن فرصًا عادلة في المشاركة السياسية.
وتستدعي هذه المعطيات وضع استراتيجيات متكاملة لدعم النساء المعيلات، من خلال تحسين فرص العمل، وتوفير الحماية الاجتماعية والصحية، وتعزيز الأمن الاقتصادي والاجتماعي، بما يتيح لهن الموازنة بين مسؤوليات الأسرة ومتطلبات العمل. كما تحتاج السياسات العمومية إلى التكيف مع هذا الواقع الجديد للمرأة المغربية لضمان تحقيق المساواة الكاملة بين الجنسين.
وتؤكد هذه الأرقام أن المرأة المغربية لم تعد مجرد عنصر من النسيج الاجتماعي، بل أصبحت ركيزة أساسية في الاقتصاد والأسرة، مما يستدعي تعزيز كل الأدوات القانونية والاجتماعية لضمان استقلاليتها وتمكينها من لعب دور فعال في التنمية الوطنية.