كتاب الرأي

مقالة الرأي – 10 أكتوبر "بوصلة واضحة، ضوابط صارمة، واختبار التنفيذ"

اختبار التنفيذ كمعيارٍ جديدٍ للثقة بين الدولة والمجتمع


صاحب الجلالة يرسم خريطة الإصلاح: من الأقوال إلى الإثباتات
منهج الدولة المغربية الجديدة: إصغاءٌ، أخلاقٌ، وإنجازٌ
خمس بوصلاتٍ ملكية لإعادة ضبط الاتجاه الوطني



خطابٌ ملكي يربط الديمقراطية بالنتائج لا بالشعارات

الخطاب الملكي ليوم العاشر من أكتوبر لم يكن مجرد افتتاحٍ لجلسةٍ برلمانية جديدة، بل كان لحظةً مفصلية تؤسس لما يمكن تسميته بـ"منهج الدولة". فقد اختار صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله لغة الهدوء والمنهجية بدل المفاجآت والشعارات، واضعاً الإطار الزمني للعمل السياسي بمنطق الفعل والنتائج. إنها نهايةُ دورةٍ تشريعية وبدايةُ مرحلةٍ من التقييم والمساءلة، حيث لا تُقاس الديمقراطية بحجم الخطابات، بل بوزن المنجزات واستمرارية الإصلاحات.

الرسالة كانت واضحة: الاستقرار لا يعني الجمود، بل هو انسجامٌ بين الرؤية والأداة، بين الطموح والمحاسبة، بين القول والفعل.

ومن خلال قراءةٍ متأنية للنصين الرسميين بالعربية والفرنسية، يمكن استخلاص خمسة مرتكزاتٍ أساسية وجّهها جلالته إلى مختلف الفاعلين المؤسساتيين وإلى الأجيال الثلاث: إكس، واي، وزِد.

المرتكز الأول: البرلمان كمؤسسةٍ ذات جدوى حين تُبرهن على جدواها.
القيمة الحقيقية للمؤسسة التشريعية لا تُقاس بعدد القوانين، بل بمدى تأثيرها الملموس في حياة المواطنين. المطلوب ليس إنتاج نصوصٍ بل صناعة أثرٍ حقيقي. الانتقال من ثقافة الإحصاء إلى ثقافة التقييم هو ما يُعيد الثقة في التمثيل الديمقراطي. كما دعا الخطاب إلى دبلوماسيةٍ برلمانيةٍ محترفة تُكمل الدبلوماسية الرسمية في الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة، حيث الإجماع وعيٌ وكفاءةٌ لا مجرد موقفٍ سياسي.

المرتكز الثاني: العمود الفقري لـ"المغرب الصاعد".
العبارة ليست شعاراً بل خريطةُ أولوياتٍ واضحة: العدالة الاجتماعية، التوازن المجالي، والنجاعة الاقتصادية. فالتنمية لا تُختزل في الأرقام، بل في قدرتها على تقليص الفوارق وربط النمو بالتماسك الوطني. ومن هنا جاء التأكيد على "الجيل الجديد من البرامج الترابية" كمدخلٍ لتخطيطٍ عادلٍ يربط المجال بالعدالة ويضمن استدامة التنمية.

المرتكز الثالث: من التخطيط إلى التنفيذ.
ذكّر صاحب الجلالة بأن التشخيصات والخطط متوفرة، لكن العطب يكمن في ضعف المتابعة وثقافة التساهل مع التأخير. والعلاج هو الحكامة المبنية على المعطيات، والتحول الرقمي، والمساءلة الصارمة. فالأداء لم يعد تقريراً يُكتب، بل سلوكاً يُمارس.

المرتكز الرابع: ترابية الطموح الوطني.
رسم الخطاب ثلاث أولوياتٍ عملية:
سياسةٌ عموميةٌ خاصة بالمناطق الجبلية والواحات، حمايةُ الثروة البحرية واستثمارها كرأسمالٍ جماعي، وتنميةُ المراكز القروية الصاعدة لتقريب الخدمات وتخفيف الضغط عن المدن الكبرى. الرسالة هنا واضحة: المجال ليس مجرد جغرافيا، بل سياسةٌ قائمة بذاتها.

المرتكز الخامس: الأخلاق كشرطٍ للحداثة السياسية.
النزاهة، تغليب المصلحة العامة، والمسؤولية أمام الله والوطن ليست مبادئ نظرية، بل آلياتُ حمايةٍ للدولة الحديثة. فبدون هذه الدعامة الأخلاقية تتبخر الإصلاحات، ومعها تتماسك شرعية الإنجاز.

وفي النهاية، يقدم الخطاب معادلة الثقة :
وضوحُ الأهداف، واستقرارُ الوسائل، وصرامةُ النتائج.
الوضوح في ترتيب الأولويات،
الاستقرار في استمرارية الإصلاح،
والصرامة في الانتقال من "الإنجاز" إلى "إثبات الإنجاز".

النداء موجَّهٌ إلى الجميع: البرلمان، الحكومة، الأحزاب، الجماعات الترابية، والمجتمع المدني. كلٌّ في موقعه، والجميع في الاتجاه نفسه.

فالدولة الاجتماعية لا تُعلن بمرسوم، بل تُبنى بقراراتٍ صغيرةٍ منضبطةٍ ومنصفة. والدبلوماسية الفاعلة لا تُقاس بعدد المنابر، بل بقدرة البلد على ترجمة كلمته إلى فعل.

إنه درسٌ في "الصبر المنظّم": تفضيل مؤشرات الأثر على نسب المشاهدة، والنتائج المتراكمة على الانتصارات اللحظية.

المغرب لم يعد مطالباً بسرد قصته فقط، بل بإثباتها بالوقائع: جهةً جهة، برنامجاً برنامجاً، ومؤشراً مؤشراً. فالكلمات الكبرى – العدالة، والإنصاف، والفعالية – لا تكتسب معناها إلا حين تدعمها التفاصيل اليومية: صفقاتٌ شفافة، مشاريعُ منجزةٌ في وقتها، بياناتٌ مفتوحة للرقابة. عندها فقط تستعيد السياسة رأس مالها الأثمن: الثقة.

إن خطاب العاشر من أكتوبر قدّم عقداً جديداً بين الرؤية والأخلاق والتنفيذ.
رؤيةٌ تُعطي المعنى،
أخلاقٌ تُحدد الإطار،
وتنفيذٌ يُنتج الدليل.

وحين يتحقق هذا التوازن، يتحول التقييم من محاسبةٍ إلى برهان، ومن إدارةٍ للمؤسسات إلى تحريكها في اتجاهٍ واحد: البناء.

بقلم : عدنان بنشقرون





السبت 11 أكتوبر 2025

في نفس الركن
< >

الجمعة 10 أكتوبر 2025 - 14:45 التيه.. الدرس الأعظم في السفر


              

تعليمات خاصة بركن «الرأي الحر / ضيوف المنبر / نبض القلم / بلاغات صحفية »
 
الغاية
هذا الركن مفتوح أمام المتصفحين وضيوف الجريدة للتعبير عن آرائهم في المواضيع التي يختارونها، شرط أن تظل الكتابات منسجمة مع الخط التحريري وميثاق النشر الخاص بـ L’ODJ.

المتابعة والتحرير
جميع المواد تمر عبر فريق التحرير في موقع lodj.ma، الذي يتكفل بمتابعة المقالات وضمان انسجامها مع الميثاق قبل نشرها.

المسؤولية
صاحب المقال هو المسؤول الوحيد عن مضمون ما يكتبه. هيئة التحرير لا تتحمل أي تبعات قانونية أو معنوية مرتبطة بما ينشر في هذا الركن.

الممنوعات
لن يتم نشر أي محتوى يتضمن سبّاً أو قدحاً أو تهديداً أو ألفاظاً خادشة للحياء، أو ما يمكن أن يشكل خرقاً للقوانين المعمول بها.
كما يُرفض أي خطاب يحمل تمييزاً عنصرياً أو تحقيراً على أساس الجنس أو الدين أو الأصل أو الميول.

الأمانة الفكرية
السرقات الأدبية أو النقل دون إشارة للمصدر مرفوضة بشكل قاطع، وأي نص يتبين أنه منسوخ سيتم استبعاده.


















Buy cheap website traffic