بقلم: محمد براو
في هذا السياق، لم يكتف الخطاب الملكي بلغة المجاملة أو التوجيه الأخلاقي، بل جاء صارمًا، واقعيًا، موجّهًا بشكل مباشر لكل مؤسسات الدولة: آن الأوان لترسيخ "ثقافة النتائج"، وإنهاء منطق الوعود غير المنجزة.
فالعدالة، بمختلف أبعادها، ليست ترفًا فكريًا، بل أساس التعاقد بين الدولة والمجتمع.
العدالة الاجتماعية والمجالية: من مجرد مطلب إلى محور استراتيجي
العدالة الاجتماعية والمجالية ليست جديدة على الخطب الملكية. فمنذ مطلع الألفية، جعل الملك محمد السادس من هذه القيم مرتكزًا لإصلاح الدولة، غير أن خطاب 2025 منحها بعدًا جديدًا:
"العدالة المجالية مرآة حقيقية لمدى تقدم "المغرب الصاعد".
بهذا التصريح، يتحول مفهوم العدالة من شعار أخلاقي إلى مؤشر قياس فعلي لنجاعة السياسات العمومية. العدالة الاجتماعية والمجالية اليوم لم تعد مجرد إشارة تضامنية نحو الجبال أو الواحات أو القرى النائية، بل أضحت مقياسًا لصدقية النموذج التنموي الجديد، ولمستوى احترام الدولة لوعودها.
ثقافة النتائج: ملك يطالب، ومؤسسات مطالبة بالإثبات
يضع الخطاب الملكي البرلمان والأحزاب والمؤسسات المنتخبة أمام مسؤولية تاريخية: لم يعد مقبولًا التساهل مع البطء، ولا مع غياب الأثر.
❝ ننتظر وتيرة أسرع في تنفيذ برامج التنمية الترابية، خصوصًا في توفير الشغل والنهوض بقطاعي الصحة والتعليم. ❞
هذه ليست فقط توجيهات عليا، بل إعلان لميلاد مرحلة جديدة: مرحلة لا تقاس فيها السياسات بحجم الاعتمادات أو كثرة التصريحات، بل بمردودها على الأرض.
إنها مرحلة يتقدّم فيها الملك بخطاب النتائج، بينما تتأخر باقي مؤسسات الدولة في الترجمة الفعلية لهذه التوجهات، مما يخلق فجوة خطيرة بين رأس الدولة وقاعدتها الإدارية والسياسية.
الشباب المغربي في صلب الخطاب الملكي: لم يُذكر بالاسم... لكنه المعني الأول
رغم أن الخطاب لم يذكر صراحةً "الجيل Z" أو الاحتجاجات الجارية، إلا أن رسائله كانت موجّهة بوضوح إلى الشباب المغربي:
إن الخطاب الملكي يُضفي الشرعية السياسية والدستورية على مطالب الشباب، بل ويحوّلها إلى أجندة عمل رسمية. الشباب المغربي اليوم أمام فرصة تاريخية: فصوته سُمع من أعلى سلطة في البلاد، والكرة الآن في ملعب المؤسسات الوسيطة.
العدالة المجالية ليست إحسانًا... بل حق مؤسساتي
كرّس الخطاب الملكي قطيعة مفاهيمية مع نظرة قديمة للعدالة المجالية، كانت تعتبرها مجرد آلية تضامن ظرفي مع "المناطق المهمشة". اليوم، العدالة المجالية تعني:
بهذا المنظور، تصبح العدالة المجالية تجسيدًا للعدالة الدستورية والمواطنة المتساوية، وليست إجراءً ترقيعيًا أو قرارًا فوقيًا ظرفيًا.
التحدي الأكبر: التفعيل الميداني
الخطاب الملكي وضع الإطار، حدّد الأولويات، ووجّه المؤسسات. لكن التحدي الحقيقي اليوم يتمثل في:
من دون إرادة سياسية قوية، ومحاسبة واضحة، وبُعد عن الحسابات الانتخابية الضيقة، لن تتحول مضامين الخطب الملكية إلى أفعال ملموسة وثمار مقطوفة، تفضي إلى تغيير فعلي في حياة الناس.
ختاما: من مشروعية الخطاب إلى شرعية الأثر
إن خطاب 10 أكتوبر 2025 هو أكثر من خطاب برلماني افتتاحي؛ إنه تحوّل في فلسفة الحكم والتنمية. العدالة الاجتماعية والمجالية لم تعد قضية فئوية أو مناطقية، بل أصبحت قضية دولة ومجتمع ومصير.
ولعل الرسالة الأهم التي يمكن استخلاصها هي التالية:
"حين يطالب الملك بنتائج ملموسة، فإن بوصلة الدولة يجب أن تتغير من الداخل، لا من الأعلى فقط."
على المؤسسات المنتخبة، والمجالس الجهوية، والإدارة الترابية، والأحزاب، أن تتحمل مسؤوليتها التاريخية في تحقيق العدالة الملموسة لا الرمزية، وفي بناء مغرب يليق بكل أبنائه، وفي كل جهاته.