ويعكس هذا الحضور الكبير اهتمام المجتمع المغربي بجهاز الأمن الوطني، و نجاح التظاهرة في كسر الحواجز التقليدية بين المؤسسة الأمنية والمواطنين، خاصة بين فئة الشباب والتلاميذ الذين شكلوا نسبة كبيرة من الحضور عبر مشاركة 1916 مؤسسة تعليمية بمختلف أنواعها. هذا الكم الهائل من الزوار يدل على رغبة قوية لدى المواطنين في التعرف على الخدمات الأمنية، والمساهمة في تعزيز علاقة الثقة مع الأجهزة الشرطية، وهو أمر جوهري لبناء أمن استباقي وشامل يتجاوز الأداء التقليدي ويستجيب لتطلعات المجتمع الحديث.
معرض الأمن الوطني: نافذة على مختلف تخصصات الجهاز الشرطي
توزعت فعاليات التظاهرة على مساحة كبيرة شملت 50 رواقاً تغطي مختلف اختصاصات الأمن الوطني من التوظيف والتكوين إلى الخدمات التقنية والتدخلية، مما سمح للزوار بالتعرف عن قرب على تفاصيل العمل الشرطي في مجالات عدة مثل الشرطة العلمية والتقنية، وحماية النساء والأطفال ضحايا العنف، وكذلك جهود الأمن الطرقي والمنصات الرقمية مثل "إبلاغ".
هذا التنوع يبرز التوجه الاستراتيجي للمديرية العامة للأمن الوطني في تقديم صورة متكاملة عن جهاز الأمن، بعيداً عن الصورة النمطية أو الأحادية، ويعزز من فهم الدور الشامل الذي تقوم به الشرطة في خدمة المجتمع. كما أن تخصيص فضاءات للعرض التاريخي والتجهيزات القديمة يرسخ الانتماء ويظهر التطور الكبير الذي حققه الجهاز عبر عقود، ما يخلق تواصلاً بين الماضي والحاضر ويحفز الشباب على احترام المؤسسة والاندماج فيها.
الذكاء الاصطناعي: نقلة نوعية في عمل الأمن الوطني
من أبرز المعالم الحديثة التي أُبرزت خلال التظاهرة دور التكنولوجيا، وبشكل خاص الذكاء الاصطناعي، في تطوير آليات العمل الأمني. تم تقديم دورية "أمان" الذكية كنموذج رائد يدمج بين تقنيات الذكاء الاصطناعي والتطبيقات المعلوماتية المتقدمة مع قواعد البيانات الأمنية بشكل فوري، ما يسمح بالاستجابة السريعة والدقيقة لمختلف الحالات الأمنية في الشارع. هذه التكنولوجيا لا تعزز فقط فعالية العمل الشرطي وتقليل زمن التدخل، بل تتيح أيضاً قدرة استباقية في مواجهة المخاطر والتهديدات المحتملة، من خلال جمع وتحليل بيانات ضخمة بطرق دقيقة وآمنة. يُعد هذا التكامل بين الذكاء الاصطناعي والعامل البشري من أهم عوامل تحديث أجهزة الأمن، فهو يعكس رؤية متقدمة للمرفق الأمني يتماشى مع المتغيرات العالمية ويضع المغرب في مصاف الدول التي توظف التكنولوجيا لخدمة الأمن بشكل مبتكر ومستدام.
الانفتاح المجتمعي وأهمية تعزيز شرطة القرب
المديرية العامة للأمن الوطني لا تكتفي بعرض قدراتها، بل تسعى من خلال هذه التظاهرة إلى ترسيخ مفهوم شرطة القرب كركيزة أساسية في استراتيجيتها، حيث يتجلى ذلك من خلال انفتاحها على مختلف فئات المجتمع المدني، ومشاركة المؤسسات التعليمية والإعلامية، والتفاعل المستمر عبر منصات التواصل الاجتماعي التي حققت ملايين المشاهدات. هذا النهج يؤكد أن الأمن الوطني ليس مجرد مؤسسة قسرية أو شرطية تقليدية، بل هو شريك حيوي في النسيج الاجتماعي، يمتلك أدوات التواصل والحوار مع المواطن، ويعمل على تلبية انتظاراته وتحدياته الحقيقية. في ظل التحولات الاجتماعية والاقتصادية المتسارعة التي يعرفها المغرب، يصبح هذا النوع من التواصل ضرورة لاستباق الأزمات وبناء بيئة اجتماعية آمنة ومستقرة، قادرة على دعم التنمية الشاملة.
التعاون الأكاديمي والمؤسساتي: رافعة لتطوير الأمن
لم تقتصر أيام الأبواب المفتوحة على المعرض فقط، بل تضمّنت سلسلة من الندوات واللقاءات العلمية التي ناقشت موضوعات راهنة مثل الذكاء الاصطناعي، تنظيم التظاهرات الكبرى، التحديات الأمنية في استضافة المغرب لكأس أمم إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030، وكذلك قضايا الهوية الرقمية والتحول الرقمي للخدمات العمومية. هذا الانفتاح على الحوار مع الخبراء والمؤسسات الأكاديمية يعكس إدراك المديرية لأهمية البحث العلمي في تطوير السياسات الأمنية، والقدرة على صياغة حلول مبتكرة ومتخصصة تلائم خصوصيات البلاد. وبفضل هذا التعاون، يتم بناء إطار استراتيجي متكامل يستند إلى دراسات وتحليلات علمية، مما يعزز من جودة العمل الأمني ويجعل منه أكثر قدرة على التكيف مع التحديات المتجددة