الجميع يتحدث عنها، لكن لا أحد يراها تلوح في الأفق
في لحظة تُكابد فيها الخطابات السياسية صعوبة في إشعال جذوة الديمقراطية من جديد، تطفو على السطح فكرة مختلفة : ماذا لو لم تعد الثقة مسألة نوايا حسنة فقط؟ ماذا لو كانت شيئاً يمكن تصميمه، صناعته، هندسته؟
هذه ليست مزحة أكاديمية ولا تمريناً فكرياً، إنه اقتراح واضح: ابتكار علم جديد، تخصص مستقل، نُسميه "هندسة الثقة"، هدفه إعادة صياغة العلاقة بين الحاكم والمحكوم، بعيداً عن البلاغة والشعارات، وقريباً من واقع شباب واعٍ، متصل، ومرهف الحس.
لكنها في الحقيقة لم تعد تقنع أحدا، فالمراقبون يُحلّلونها، والمواطنون يشكّون فيها، والسياسيون يطالبون بإحيائها. لكن الثقة لا تُخلق بخطاب ولا تُستعاد بإعلان نوايا. خصوصاً حين تكون قد هُدرت مراراً، وخُذلت بفعل وعود بلا روح، وخطابات فقدت معناها
فماذا نفعل إذن؟ هل سنستمر في الدوران في حلقة مفرغة مع لجان يتم اختيارها عشوائياً؟ هل نعتمد على مواثيق أخلاقية تُنسى داخل الأدراج؟ أم نكتفي بمؤسسات تزداد غموضاً، تدّعي الاستماع لكنها تقفل الباب أمام الحقيقة؟
لا. يجب أن نتوقف عن ترميم ما لم يعد يُرمم، ونبدأ في بناء ما هو جديد: هندسة الثقة. في زمن أصبحت فيه القطيعة السياسية هي القاعدة لا الاستثناء، من الضروري التعامل مع الثقة كمادة خام حساسة، يجب أن تُصاغ بعناية.
من هنا تأتي فكرة "هندسة الثقة" كعلم تطبيقي يجمع بين علوم الاجتماع، علم النفس الجماعي، التواصل السياسي الرصين، وتصميم المؤسسات بطريقة شفافة وخاضعة للمساءلة. هذا التوجه لا يهدف لتجميل الواقع، بل لتغييره بآليات ملموسة: آليات تستعيد الشفافية، تُفعّل التواصل الحقيقي، تُقوّي ذاكرة الالتزام السياسي، وتُسرّع من استجابة المؤسسات لحاجيات الناس.
لكن هذا البناء يحتاج إلى تواصل جديد، لا يطمس الشك بل يحاوره. تواصل لا يتغذى على الإنكار، بل على الاعتراف، لا يستند إلى منصات خشبية بل إلى ميدان حقيقي. السياسي في هذا النموذج ليس متحدثاً من برج عاجي، بل فاعلاً في فضاءات الشك والأسئلة والغضب.
ومن دون شك، فإن الثقة تحتاج أيضاً إلى تسويق سياسي جديد، يتحدث بلغة الجيل الحالي: مواقع التواصل الاجتماعي يجب أن تتحول من واجهات للتمويه إلى مختبرات للنقاش والتجريب،فهذا الجيل الجديد لا يُصغي للخطابات، بل يستجيب للصدق والبساطة والوضوح. وباختصار، الثقة اليوم ليست رصيداً موروثاً، بل مورد نادر. مثل الطاقة، يجب أن نُعيد التفكير فيها كعنصر يجب تدبيره بعدالة، توزيعه بحكمة، وصيانته بصرامة.
في عالم تحكمه الخوارزميات وتُخيم عليه ظلال الشك، الثقة لا تُستعاد... بل تُبنى. ولكي تُبنى كما يجب، نحتاج إلى مهندسين، لا إلى سحرة، ولا إلى محترفي الكلام. والأهم، أن هذه الفكرة لم تأتِ من برج جامعي، ولا من مطبخ استشاري، بل جاءت من قلب الحياة السياسية المغربية، من اقتراح قدّمه نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، خلال أشغال المجلس الوطني الأخير للحزب.
وحتى نكون منصفين، علينا أن نُسجّل له سبق الطرح، ولعل هذه الفكرة تجد من يُنبتها في أرض الواقع، بعيداً عن البلاغة، في مؤسساتنا، في طرق حكامتنا، وفي صلب علاقتنا كمغاربة بما نُسميه "الشأن العام".
هذه ليست مزحة أكاديمية ولا تمريناً فكرياً، إنه اقتراح واضح: ابتكار علم جديد، تخصص مستقل، نُسميه "هندسة الثقة"، هدفه إعادة صياغة العلاقة بين الحاكم والمحكوم، بعيداً عن البلاغة والشعارات، وقريباً من واقع شباب واعٍ، متصل، ومرهف الحس.
فماذا نفعل إذن؟ هل سنستمر في الدوران في حلقة مفرغة مع لجان يتم اختيارها عشوائياً؟ هل نعتمد على مواثيق أخلاقية تُنسى داخل الأدراج؟ أم نكتفي بمؤسسات تزداد غموضاً، تدّعي الاستماع لكنها تقفل الباب أمام الحقيقة؟
لا. يجب أن نتوقف عن ترميم ما لم يعد يُرمم، ونبدأ في بناء ما هو جديد: هندسة الثقة. في زمن أصبحت فيه القطيعة السياسية هي القاعدة لا الاستثناء، من الضروري التعامل مع الثقة كمادة خام حساسة، يجب أن تُصاغ بعناية.
من هنا تأتي فكرة "هندسة الثقة" كعلم تطبيقي يجمع بين علوم الاجتماع، علم النفس الجماعي، التواصل السياسي الرصين، وتصميم المؤسسات بطريقة شفافة وخاضعة للمساءلة. هذا التوجه لا يهدف لتجميل الواقع، بل لتغييره بآليات ملموسة: آليات تستعيد الشفافية، تُفعّل التواصل الحقيقي، تُقوّي ذاكرة الالتزام السياسي، وتُسرّع من استجابة المؤسسات لحاجيات الناس.
لكن هذا البناء يحتاج إلى تواصل جديد، لا يطمس الشك بل يحاوره. تواصل لا يتغذى على الإنكار، بل على الاعتراف، لا يستند إلى منصات خشبية بل إلى ميدان حقيقي. السياسي في هذا النموذج ليس متحدثاً من برج عاجي، بل فاعلاً في فضاءات الشك والأسئلة والغضب.
ومن دون شك، فإن الثقة تحتاج أيضاً إلى تسويق سياسي جديد، يتحدث بلغة الجيل الحالي: مواقع التواصل الاجتماعي يجب أن تتحول من واجهات للتمويه إلى مختبرات للنقاش والتجريب،فهذا الجيل الجديد لا يُصغي للخطابات، بل يستجيب للصدق والبساطة والوضوح. وباختصار، الثقة اليوم ليست رصيداً موروثاً، بل مورد نادر. مثل الطاقة، يجب أن نُعيد التفكير فيها كعنصر يجب تدبيره بعدالة، توزيعه بحكمة، وصيانته بصرامة.
في عالم تحكمه الخوارزميات وتُخيم عليه ظلال الشك، الثقة لا تُستعاد... بل تُبنى. ولكي تُبنى كما يجب، نحتاج إلى مهندسين، لا إلى سحرة، ولا إلى محترفي الكلام. والأهم، أن هذه الفكرة لم تأتِ من برج جامعي، ولا من مطبخ استشاري، بل جاءت من قلب الحياة السياسية المغربية، من اقتراح قدّمه نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، خلال أشغال المجلس الوطني الأخير للحزب.
وحتى نكون منصفين، علينا أن نُسجّل له سبق الطرح، ولعل هذه الفكرة تجد من يُنبتها في أرض الواقع، بعيداً عن البلاغة، في مؤسساتنا، في طرق حكامتنا، وفي صلب علاقتنا كمغاربة بما نُسميه "الشأن العام".