فن وفكر

صَرِيْعُ الْكَوْنِ فِي مِرْآةِ الرُّوحِ




استمع لهذه القصيدة الموسيقية / عدنان بن شقرون


أولئك الذين ما زالوا يحبون القراءة

يَا سائِلَ الْكَوْنِ ما سِرُّ الطَّبِيعَةِ في
هَمسِ الرُّعودِ وَفي بَوْحِ العَواصِفِ؟
هِيَ السُّؤالُ الَّذِي لَا يَستَقِيمُ لَنَا 
فِي العَقلِ، حَتّى بِخَطِّ الرُّوحِ وَالصَّوَادِفِ

قَدْ هَامَ فِيهَا بَشَرٌ مَا بَيْنَ مُتَّئِدٍ
وَمُسْتَطِيرٍ بِوَهْمِ العِلْمِ وَالعَرَفِ
فَأَغرَقَ البَحْرُ أَحْلَامًا تُنَازِلُهُ
 كَأَنَّها لُعْبَةٌ فِي كَفِّ مُضطَرِفِ

يَرْجُو السَّيَادَةَ، لَكِنْ لَا سَيَادَةَ مَن
لَمْ يُتقِنِ السَّيْطَرَةَ الكُبْرَى عَلَى النَّفَسِ
فَالنَّفْسُ بَحْرٌ لَهُ أَسْرَارُهُ اجتَهَدَتْ
 فِيهِ العُقُولُ وَضَاعَتْ فِي المَدَى الدَّرَسِ


كَمْ نَادَتِ الرِّيحُ فِينَا ثُمَّ أَسْكَتَنَا
صَوْتُ الغُرُورِ وَتَغْرِيدُ التَّرَفِ الأَمَسِ
وَالْعِلْمُ نَارٌ وَمَا أَضْوَاؤُهَا لَهَبٌ
  إِلَّا إِذَا مَسَّهَا التَّقْوَى بِمَا نَبَسِ


يَا وَيْلَ قَوْمٍ بَنَوْا الأَبْرَاجَ مُنْفَصِلَةً
عَنْ ضَجَّةِ الأَرْضِ وَالأَسْرَارِ وَالدَّرَسِ
يَسْعَوْنَ لِلْقَمَرِ المُنِيرِ مُغَامِرِينَ وَمَا
سَارُوا خُطًى لِسُرَى القَلْبِ وَالأَنفَسِ


كَيفَ السَّيَادَةُ فِي الدُّنْيَا وَفِي يَدِنَا
خَوْفٌ يُشَلُّ الطَّمُوحَ وَيَجْتَثُّ الحَرَفِ؟
نَبْنِي المُدُنْ، وَلَكِنْ فِي مَدَاخِلِهَا
أَرْوَاحُنَا مُقْفِرَاتٌ فِي غُيَاهِبِ نَكْسِ


هَلْ صِرْنَا آلِهَةً تُفْنِي الحَيَاةَ بِمَا
 تَرْوِي المَصَانِعُ مِنْ فُولَاذٍ وَمِنْ دَرَسِ؟
لَا، بَلْ نَحْنُ أَطْفَالٌ تَخَيَّلَتِ
 أَنَّ السَّحابَ لُعْبَةٌ فِي لَحْنِ جَرْسِ


فَالطَّبِيعَةُ هِيَ الرُّوحُ الَّتِي عَبَقَتْ
 فِي كُلِّ ذَرَّةِ تُسَبِّحُ دُونَ أَنْفَسِ
فَلْنَسْجُدَنْ لَهَا لَا خَوْفًا وَلَكِنْ فِي
وَعْيٍ بِأَنَّا غُرَاةٌ فِي سُبُلِ الغَرَسِ


عَزَاؤُنا فِي الَّذِي يَغْفُو عَلَى أَمَلٍ
 وَيَسْتَفِيقُ عَلَى كَابُوسِ مُنْتَكِسِ
لَمْ يَسْتَبِنْ مَا بِهِ، وَالضَّوْءُ مُشْتَبِكٌ
فِي عَيْنِهِ، وَالمَسَافَاتُ مِنَ العَكَسِ

يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ، افْهَمْ، لَنْ تُسَخِّرَ مَا
جَارَتْ عَلَيْكَ بِهِ الطَّبْعُ مِنْ دَنَسِ
إِلَّا إِذَا طَهَّرَتْ أَعْمَاقُكَ وَانْكَمَشَتْ
شَهْوَاتُ نَفْسِكَ فِي عَيْنِ المُقَدَّسِ


قِفْ، وَتَأَمَّلْ هُدُوءَ اللَّيْلِ، سَاكِنُهُ
 أَبْلَغُ مِنْ كُلِّ خُطْبٍ فِي سَفَاسِفِ
فِيهِ الطَّبِيعَةُ تُسَبِّحُ رَبَّهَا خُشُعًا
 وَأَنْتَ تَجْهَلُ سِرَّ الْكَوْنِ وَالْأُنُفِ


مَا كُلُّ مَا يُطْفِئُ المَجْهُولُ نَفْعَتُهُ
بَلْ رُبَّمَا نَفْعُنَا فِي كَبْحِ مَا نَسِي
إِنَّا بَنَيْنَا صُرُوحَ العِلْمِ مُعْتَذِرِينَ
وَمَا بَنَيْنَا قُلُوبًا بِالنُّهَى تُرْسِي

فَاصْغِ إِلَى الحِكْمَةِ الكُبْرَى تُقَدِّمُهَا
زُرْقُ السَّمَاءِ وَزَهْرُ الأَرْضِ وَالعَرَفِ
فِي كُلِّ نَبْتَةِ رُوحٌ لَا تُكَابِدُنَا
 لَكِنَّنَا نُعْلِنُ الْحَرْبَ عَلَى النَّفَسِ


فَاعْرِفْ مَكَانَكَ يَا مَغْرُورُ مُنْبَتًّا
 مَا بَيْنَ تَرْبَةِ تَكْوِينٍ وَمِنْ أُنُفِ
وَاعْلَمْ: إِنْ لَمْ تَفُزْ بِالنَّفْسِ مُهْتَدِيًا
فَكُلُّ غَلَبٍ عَلَى الكَوْنِ مِنَ العَكْسِ

هذا القصيدة تتأمل في الصراع الأزلي بين الإنسان والطبيعة، مُبرزةً كيف أن الإنسان

 رغم سعيه المحموم لتسخير الكون وتسلق مدارج العلم، لا يزال عاجزاً عن السيطرة على نفسه. تُصوّر الأبيات الطبيعة كقوة كونية سامية، لا تُدرك بالعقل فقط، بل بالتواضع الروحي والتوازن الداخلي. يُحذِّر الشاعر من الغرور البشري الذي يبني الأبراج العالية وينسى أن يزرع القيم في النفوس. فالعلم دون حكمة، والسيطرة دون طهارة النفس، مصيرها الفشل. يدعو النص إلى التأمل في هدوء الطبيعة وتقديس أسرارها، مؤكداً أن من لم يُصلح نفسه، لن يفلح في قهر العالم. يختتم الشاعر برسالة روحية عميقة مفادها أن الإنسان المغرور إن لم يهتدِ إلى داخله، فإن كل نصر خارجي يتحول إلى هزيمة داخلية. القصيدة تحمل نفساً صوفياً، بلغة عربية رصينة، وصور شعرية تُجسّد العلاقة المعقّدة بين الروح، والعقل، والكون.

اكتشف المزيد من أعمال المؤلف عدنان بن شقرون





الجمعة 16 ماي 2025

              

Bannière Réseaux Sociaux

Bannière Lodj DJ















تحميل مجلة لويكاند






Buy cheap website traffic