أخبار بلا حدود

تحوّل غير مسبوق في موقع الولايات المتحدة داخل النظام العلمي العالمي


شهدت الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة تحولًا جذريًا في موقعها ضمن النظام العلمي العالمي، وهو تحول وصفه محللون أمريكيون بأنه "انقلاب صامت" يهدد أحد أبرز مصادر التفوق الأمريكي: البحث العلمي والهجرة النوعية. بعد عقود كانت فيها أمريكا الوجهة الأولى للعلماء والمبتكرين من مختلف أنحاء العالم، تتزايد المؤشرات على موجة معاكسة تتجه فيها الكفاءات نحو مغادرة البلاد بحثًا عن بيئة علمية أكثر استقرارًا واحتضانًا.



تراجع التمويل العلمي وتأثيره على الباحثين
منذ بداية ولاية الرئيس دونالد ترمب، تعرضت البنية التحتية للبحث العلمي في الولايات المتحدة لهزات عنيفة. وفقًا لتقارير نشرتها "Nature" و"بلومبرغ"، تم إلغاء آلاف المنح الفيدرالية وخُفّضت ميزانيات مؤسسات أساسية مثل المعاهد الوطنية للصحة ومؤسسة العلوم الوطنية بنسبة تجاوزت 50% في بعض الحالات. على سبيل المثال، فقدت جامعة كولومبيا وحدها أكثر من 400 مليون دولار من المنح في عام 2025، وتم إلغاء مئات المشاريع البحثية في مجالات حيوية مثل فيروس نقص المناعة والتغير المناخي وكوفيد-19.

هجرة العقول العلمية
الأثر لم يكن ماليًا فقط، بل امتد ليشمل البيئة العلمية ككل. استطلاع أجرته "Nature" في مارس 2025 كشف أن ثلاثة من كل أربعة باحثين أمريكيين يفكرون بجدية في مغادرة البلاد. هذه النتيجة تعكس تآكل الثقة في الاستقرار الأكاديمي داخل الولايات المتحدة. بالمقابل، شهدت منصات التوظيف العلمي مثل "Nature Careers" زيادة بنسبة 32% في الطلبات المقدمة من علماء أمريكيين للعمل في الخارج، مع توجه كبير نحو كندا وأوروبا.

سياسات هجرية تُضعف جذب الكفاءات
السياسات الهجرية الجديدة لعبت دورًا كبيرًا في هذا التحول. تراجع عدد تأشيرات H1B وتعديل برامج التدريب العملي للطلاب الأجانب جعل من الصعب على الكفاءات البقاء في البلاد بعد التخرج. نسبة الأجانب الذين يبقون في الولايات المتحدة بعد نيل درجة الدكتوراه انخفضت من 75% تقليديًا إلى نحو 40% فقط، مما يعكس فقدان قدرة أمريكا على الاستفادة من العقول التي تدربها.

منافسة دولية لاستقطاب الكفاءات
الدول المنافسة لم تفوّت الفرصة، حيث أطلقت برامج لجذب العقول العلمية الأمريكية. فرنسا دشنت برنامج "ملاذ العلم" الذي استقبل مئات الطلبات من باحثين أمريكيين، بينما أسست ألمانيا برنامج "ماكس بلانك عبر الأطلسي". الصين وكندا والنرويج ودول الخليج العربي تقدم حوافز مغرية لجذب العلماء، ما يعزز التنافس على استقطاب الكفاءات العالمية.

التداعيات الاقتصادية والعلمية
هذا النزيف في الكفاءات له ثمن اقتصادي مباشر. دراسة للجامعة الأمريكية في واشنطن وجدت أن خفض تمويل البحث العلمي بنسبة 25% قد يؤدي إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنحو 3.8% سنويًا، وهو ما يعادل أثر الأزمة المالية العالمية لعام 2008. كما تؤكد فرانسيس أرنولد، الحائزة على نوبل في الكيمياء، أن خسارة الباحثين الشباب ستؤدي إلى فراغ طويل الأمد في التعليم، الابتكار، وتقديم المشورة العلمية للحكومة.

تراجع الدور القيادي الأمريكي
التداعيات لا تقتصر على الداخل الأمريكي. تراجع دور أمريكا القيادي في البحث العلمي يهدد ظهور نظام عالمي أكثر تفتتًا وأقل قدرة على مواجهة التحديات الكبرى مثل التغير المناخي والأوبئة. إذا لم تبادر واشنطن إلى مراجعة سياساتها التمويلية والهجرية، فإنها تخاطر بخسارة موقعها القيادي في لحظة مفصلية من التنافس العالمي على امتلاك مفاتيح المستقبل التكنولوجي والمعرفي.

ما يحدث في الولايات المتحدة ليس مجرد ظاهرة طارئة، بل هو مؤشر على تحول إستراتيجي في مركز الثقل العلمي العالمي. استمرار هذا الاتجاه دون معالجة جادة سيؤدي إلى تآكل التفوق الأمريكي في القطاعات الحيوية، ما يفرض على واشنطن اتخاذ خطوات عاجلة لإعادة بناء الثقة في بيئتها العلمية واستعادة قدرتها على جذب الكفاءات العالمية.

Sara Elboufi
سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة مقدمة البرنامج الإخباري "صدى الصحف" لجريدة إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الاثنين 14 يوليوز 2025

              

مختصرات آخر الأخبار | أخبار بلا حدود


Bannière Réseaux Sociaux

Bannière Lodj DJ
















تحميل مجلة لويكاند







Buy cheap website traffic