أولًا، يُظهر فوز بنكيران أن الحزب لم يتمكن من تجديد نفسه بالشكل المطلوب. في وقتٍ تتغير فيه أولويات الناخب المغربي، ولا سيما في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية، يبدو أن "البيجيدي" لا يزال متمسكًا بشخصية قوبلت بالعديد من الانتقادات داخليًا وخارجيًا.
فمن جهة، يسعى الحزب لتكريس هويته الإسلامية في خطاباته السياسية، لكن من جهة أخرى، يجد نفسه غير قادر على التجديد في سياسته وفي أسلوب إدارته، مما يحد من قدرته على التواصل مع شرائح أوسع من المجتمع المغربي، خصوصًا الأجيال الجديدة التي لا تجد في قيادته الحالية ما يلبي تطلعاتها.
ثانيًا، تبرز الإشكالية الأهم وهي الارتباط العميق لبنكيران بجزء كبير من تاريخه الحكومي. فبالرغم من نجاحه في فترة سابقة، فإن تجربة الحزب في الحكومة من 2011 إلى 2021 كانت مليئة بالهزات، أبرزها النتائج الكارثية في انتخابات 2021 التي تسببت في تراجع كبير لعدد مقاعد الحزب في البرلمان.
في هذا السياق، يبدو أن الحزب لا يزال يدور في فلك الماضي، حيث لا يقدم بنكيران أو حزبه أي رؤية جديدة لتجاوز الأزمات الراهنة. وهذا يعكس فشل الحزب في بناء إستراتيجية انتخابية جديدة قادرة على استعادة ثقة الناخبين الذين تضرروا من تراجع مستوى المعيشة والوعود السياسية التي لم تُنفذ.
إضافة إلى ما تم ذكره سابقًا، يُمكن أيضًا تسليط الضوء على نقطة حساسة في سياق إعادة انتخاب عبد الإله بنكيران أمينًا عامًا لحزب العدالة والتنمية، وهي مسألة التطبيع مع إسرائيل. هذه القضية تُعد من بين أبرز التحديات التي تواجه الحزب في المرحلة الحالية، نظرًا لتناقض موقفه التاريخي مع الواقع السياسي الجديد الذي يعيشه المغرب.
حزب العدالة والتنمية لطالما تبنى خطابًا قوياً في الدفاع عن القضية الفلسطينية، وحاول أن يُظهر نفسه كأحد أبرز المدافعين عن حقوق الفلسطينيين في المغرب. ورغم ذلك، لا يمكن تجاهل موقف الحزب الحرج بعد التوقيع على اتفاق التطبيع مع إسرائيل في ديسمبر 2020، وهو الاتفاق الذي وقع عليه المغرب ضمن سلسلة من التطورات السياسية التي أعقبت الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء.
هذا التوقيع على التطبيع وضع الحزب في موقف تناقض واضح مع خطابه التقليدي حول القضية الفلسطينية، ما أثار العديد من الانتقادات داخل وخارج الحزب. ففي الوقت الذي كان بنكيران وحزبه يعتبران القضية الفلسطينية أحد أولويات السياسة الخارجية المغربية، وجد الحزب نفسه متورطًا في اتفاق مع الدولة التي لطالما كان يُعتبر محاربًا لها سياسيًا، ما شكل صدمة للكثير من قواعده الشعبية، خصوصًا تلك التي كانت تتمسك بموقف رافض للتطبيع
ختامًا، ورغم إعادة انتخاب عبد الإله بنكيران أمينًا عامًا لحزب العدالة والتنمية، يبقى السؤال حول ما إذا كان الحزب قادرًا على استعادة بريقه السياسي. صحيح أن بنكيران قد ينجح في إعادة تجميع جزء من قاعدته الجماهيرية في الوقت الحالي، وقد يحسن من حضوره الإعلامي بشكل مؤقت، لكن الواقع يشير إلى أن الحزب بحاجة إلى تغيير جذري على مستوى الفكر والتنظيم، يتجاوز اجترار الماضي.
فالمتغيرات السياسية والاجتماعية التي تشهدها البلاد تتطلب خطابًا جديدًا قادرًا على مواكبة هذه التحولات. دون هذا التغيير، فإن الحزب سيظل حبيسًا لهويته القديمة، مما سيجعله مجرد شاهد على التحولات السياسية دون أن يكون له دور حقيقي في رسم ملامح المشهد السياسي المغربي