وأكد محامي بريجيت ماكرون، جان إينوشي، أن الطعن قُدّم إلى محكمة التمييز، أعلى هيئة قضائية في البلاد، في خطوة تهدف إلى إبطال قرار محكمة الاستئناف في باريس، التي ألغت الأسبوع الماضي حكماً ابتدائياً صدر في شتنبر الماضي ضد ناتاشا راي وأماندين روا، وقضى بإدانتهما بغرامات رمزية وتعويضات مالية للسيدة الأولى وشقيقها جان ميشال ترونيو.
ويعود أصل القضية إلى شائعة غريبة بدأت في الانتشار منذ انتخاب إيمانويل ماكرون رئيساً للجمهورية سنة 2017، مفادها أن بريجيت ماكرون لم تولد كامرأة، وأن هويتها الحقيقية تعود إلى شقيقها، الذي يُزعم – وفق هذه النظرية – أنه خضع لعملية تحول جنسي. وعلى الرغم من افتقارها لأي دليل ملموس، فقد لقيت هذه الرواية رواجاً لافتاً على منصات التواصل الاجتماعي، مستفيدة من تقنيات التضليل البصري، ونظريات المؤامرة، واهتمام بعض الأوساط اليمينية المتطرفة.
وقد لعبت ناتاشا راي، التي تقدم نفسها كصحافية مستقلة، إلى جانب أماندين روا، صاحبة قناة على "يوتيوب"، دوراً مركزياً في تأجيج هذه المزاعم، من خلال فيديو مطول نُشر عام 2021، تجاوزت مدته أربع ساعات، وقدمت فيه المرأتان ما اعتبرتاه "أدلة" على وجود "خدعة دولة" تقف خلف هوية السيدة الأولى، مستعرضتين صوراً خاصة وتفاصيل شخصية عن حياة بريجيت وشقيقها، بل وشككتا في أمومتها لأطفالها الثلاثة.
وعلى الرغم من الطابع العبثي للادعاءات، فقد أثارت القضية جدلاً واسعاً داخل فرنسا وخارجها، بل وصلت أصداؤها إلى دوائر اليمين المتطرف في الولايات المتحدة، حيث وُظِّفت ضمن خطاب التشكيك في النخب الحاكمة والترويج لنظريات المؤامرة، خاصة خلال الحملات الانتخابية الرئاسية.
وفي خضم النقاش القانوني، يشدد دفاع بريجيت ماكرون على أن الأمر لا يتعلق بمجرّد إشاعة، بل باعتداء مباشر على شرفها وهويتها، وانتهاك صارخ لحياتها الخاصة، لافتاً إلى أن تبرئة المحكمة للمتهمتين تفتح الباب أمام إفلات مروجي الأكاذيب من العقاب في بيئة رقمية تتجاوز فيها المعلومات الزائفة الحدود والقوانين.
ومن جهتها، دفعت محكمة الاستئناف بباريس بأن تصريحات المتهمتين تدخل في خانة حرية التعبير، معتبرة أن مستوى الشخصيات العامة يفرض قدراً أكبر من التسامح إزاء النقد أو الادعاءات، ما لم يكن هنالك ضرر مادي مباشر أو نية تحريضية موثقة، وهو ما اعتبره محامو ماكرون تأويلاً غير منصف للقانون، بالنظر إلى خطورة المزاعم وتأثيرها النفسي والمعنوي.
وتأتي هذه القضية في وقت يتزايد فيه الاهتمام بمسألة "الهوية الرقمية" في فرنسا وأوروبا عموماً، حيث تسعى الحكومات إلى وضع أطر قانونية أكثر صرامة للتعامل مع الأخبار الزائفة، والتحريض، والمضايقات الإلكترونية، خصوصاً عندما تمس بالحياة الخاصة أو تسعى لتقويض الثقة في المؤسسات العامة