آخر الأخبار

الفلاحة العائلية في المغرب... الضحية الصامتة لسياسات التنمية المنحازة


في صمت الحقول البعيدة عن عدسات الكاميرات، تمارس آلاف العائلات المغربية نشاطًا فلاحياً يشكل العمود الفقري للأمن الغذائي في البلاد، لكنه في المقابل، يُترك على هامش السياسات العمومية والاستثمارات الكبرى. هذا ما أكده رأي حديث صادر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، الذي كشف عن اختلالات عميقة في طريقة تدبير الشأن الفلاحي بالمغرب، خاصة ما يتعلق بالفلاحة العائلية الصغيرة والمتوسطة.



الأرقام وحدها كافية لتوضيح الفجوة: فقط 14.5 مليار درهم من الاستثمارات ذهبت نحو "الفلاحة التضامنية" منذ سنوات، مقابل أكثر من 100 مليار درهم لفائدة الفلاحة الكبرى عالية القيمة. هذا التفاوت المالي الصارخ يعكس توجهاً تنموياً منحازاً، يفضّل دعم المشاريع الرأسمالية الكبرى على حساب الفلاحين الذين يشتغلون في ظروف مناخية واقتصادية متأزمة.

الفلاحة العائلية، التي تؤمن فرص الشغل والاستقرار للملايين في العالم القروي، تواجه اليوم تحديات مركبة: من الجفاف وتغير المناخ، إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج، وتشظي الأراضي، وضعف التنظيمات المهنية. كل ذلك يضع الفلاح الصغير في موقف ضعف شديد داخل سلاسل الإنتاج والتوزيع، حيث تتعاظم هيمنة الوسطاء والمضاربين، ما يُفقده القدرة على التفاوض والربح والاستمرار.

المجلس دق ناقوس الخطر حول دور هذه الوساطة غير المقننة، التي لا تضيف قيمة حقيقية للمنتوج الفلاحي، بل تتسبب في رفع الأسعار على المستهلك وتقلص هامش الربح لدى المنتج الأصلي. دعوته إلى تقنين الوساطة، وإعادة هيكلة سلاسل التسويق، هي دعوة جوهرية لإصلاح خلل اقتصادي صارخ أصبح من معوّقات العدالة المجالية والاجتماعية.

لكن التحدي لا يقتصر على التسويق. فالفلاح العائلي بحاجة إلى أكثر من مجرد دعم مالي ظرفي: يحتاج إلى بنيات تحتية قروية متينة، وخدمات عمومية فعالة، ومواكبة تقنية مستمرة، وأشكال تنظيمية تعيد له الكلمة داخل الأسواق. كما أن تطوير فلاحة مستدامة تتكيّف مع التغيرات المناخية وتضمن موارد دخل متنوعة، بات ضرورة لا رفاهية.

الرهان إذن، ليس فقط اقتصاديًا، بل أيضًا اجتماعي وبيئي. فتحويل الفلاحة العائلية إلى رافعة تنموية حقيقية، يعني تخفيف الضغط عن المدن، والحد من الهجرة القروية، واستعادة التوازن في التنمية الترابية، وتمكين آلاف الأسر من العيش الكريم بكرامة فوق أرضها.

فهل تتجه بوصلة السياسات العمومية فعلاً نحو هذه الأولويات؟ أم أن منطق "الكبار أولاً" سيبقى القاعدة غير المعلنة لبرامج التنمية في المغرب؟

Sara Elboufi
سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة مقدمة البرنامج الإخباري "صدى الصحف" لجريدة إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الخميس 15 ماي 2025

              

Bannière Réseaux Sociaux

Bannière Lodj DJ















تحميل مجلة لويكاند






Buy cheap website traffic