التقرير أشار إلى أن 44 في المائة فقط من البالغين في المغرب يمتلكون حساباً بنكياً أو محفظة إلكترونية، وهي نسبة أدنى بكثير من مثيلاتها في دول إقليمية تشترك مع المغرب في الهشاشة أو الحجم الاقتصادي، مثل مصر (64%) أو الأردن (66%)، وحتى الجزائر التي بلغت فيها النسبة 51%. هذا التأخر يضع المغرب في مرتبة متأخرة ضمن سباق تعزيز الاندماج المالي، على الرغم من البنية الرقمية المتطورة نسبياً مقارنة بجيرانه.
وإذا كان توفر الهواتف الذكية قد بلغ في المغرب ما يقارب 90% من السكان، متفوقًا على تونس والجزائر ومصر، فإن ذلك لم ينعكس إيجاباً على اعتماد الخدمات المالية الرقمية. حيث أوضح التقرير أن 32 في المائة فقط من المغاربة أجروا دفعة رقمية واحدة على الأقل خلال العام المنصرم، في مقابل 50% في مصر و57% في الأردن، وهو ما يطرح علامات استفهام حول الأسباب الاجتماعية والثقافية التي تحول دون ترجمة الإمكانات التقنية إلى سلوكيات مالية ملموسة.
ومن خلال رصد سلوكيات الادخار والاقتراض، يتبين أن العلاقة بين المواطن المغربي والنظام المالي الرسمي لا تزال ضعيفة، إذ لا يدخر سوى 6% من البالغين أموالهم ضمن مؤسسات مالية معترف بها، وهو رقم هزيل بالمقارنة مع 17% في مصر و15% في الأردن. أما اللجوء إلى الاقتراض من القنوات البنكية، فقد انخفض إلى حدود 1% فقط، ما يدل على استمرار الاعتماد على الشبكات العائلية والمجتمعية في تغطية الحاجيات المالية الطارئة، مما يعمّق الطابع غير الرسمي للاقتصاد.
ولم تغفل الوثيقة الإشارة إلى التفاوت الجندري في ولوج النساء إلى الخدمات المالية، حيث تسجل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ثاني أعلى فجوة بين النساء والرجال في العالم، تصل إلى 15 نقطة مئوية. ورغم عدم تقديم التقرير لنسب دقيقة تخص المغرب، فإن المعطيات المتوفرة محليًا ترجّح استمرار العقبات الاجتماعية والثقافية التي تعيق تمكين النساء اقتصادياً ومالياً، خصوصاً في المناطق القروية والهامشية.
ما يثير الانتباه في هذه المفارقات هو أن المغرب أنفق خلال العقد الأخير موارد كبيرة لتطوير بنيته الرقمية وتوسيع قاعدة التغطية البنكية وتسهيل المعاملات عبر الوسائط الإلكترونية، ومع ذلك، لا تزال فئات واسعة من المواطنين خارج هذا النظام. الأمر لا يتعلق فقط بالولوج التقني، بل يتعداه إلى إشكالية الثقة، وضعف الثقافة المالية، وغياب التحفيزات التي تجعل من استخدام الأدوات المالية الرسمية خياراً جذاباً ومفيداً للمواطن البسيط.
ويخلص التقرير إلى دعوة صريحة نحو تبني سياسات عمومية أكثر جرأة ونجاعة في استهداف الفئات الهشة، بما في ذلك النساء والشباب والعاملين في الاقتصاد غير المهيكل، من خلال تسهيل إنشاء الحسابات البنكية، وتعميم المحافظ الإلكترونية، وتوسيع شبكة الوكلاء المحليين، إلى جانب حملات تربوية لتعزيز الثقافة المالية، باعتبار أن تحقيق الشمول المالي ليس فقط مسألة بنية تحتية، بل أيضاً رهان اجتماعي ومجتمعي يرتبط بمفاهيم العدالة والتمكين والاستدامة الاقتصادية