هذه الأرقام لا تعني فقط نجاحاً على مستوى التكاثر في الأسر، بل تكشف عن فهم عميق لمتطلبات الاستدامة الجينية، من خلال إدارة دقيقة للأنواع وسلالاتها، وتحكّم علمي في ظروف التوالد وظروف العيش. فميلاد حيوانات مثل لبؤة الأطلس، التي لم تعد توجد في البرية، أو الذئب الإفريقي المهدد، يُعد بمثابة استعادة جزئية لتوازن بيئي اختلّ منذ عقود.
ما يميز هذه التجربة المغربية هو توجيه الجهود نحو الأنواع ذات القيمة الرمزية أو البيئية، كغزال دوركاس والمها أبو عدس والضأن البربري، في تفاعل مع الأجندات الدولية للحفاظ على التنوع الإحيائي. فهذه الحيوانات ليست فقط رموزاً لطبيعة تتآكل بصمت، بل هي أيضاً سفيرات صامتة لقضية باتت تُطرح بإلحاح أكبر في المحافل البيئية العالمية.
ويبدو أن هذه الإنجازات لم تكن وليدة المصادفة، بل ثمرة لبرامج تخطيط طويلة الأمد، تزاوج بين الخبرة العلمية والمقاربات الإيكولوجية الحديثة. فاختيار الحيوانات، وتجديد الخزانات الجينية، وإرساء مجموعات تكاثر مستقرة، جميعها آليات تتطلب رؤية مستقبلية، لا تقتصر على الحفاظ بل تتجه نحو الإحياء.
وتكتسب هذه الدينامية بُعداً مجتمعياً واضحاً من خلال انفتاح الحديقة على الزوار، إذ ستُتاح الفرصة، ابتداء من يونيو 2025، لاكتشاف هذه الولادات الجديدة في إطار تجربة ترفيهية ذات بُعد توعوي، تسعى لتقريب الزائر من قضايا التنوع البيولوجي، وتحفّزه على إدراك العلاقة المعقدة بين الإنسان والمحيط الطبيعي.
في النهاية، ما تحققه حديقة الحيوانات بالرباط اليوم هو أكثر من مجرد إنجاز محلي؛ إنه نموذج لإعادة صياغة وظيفة حدائق الحيوانات في القرن الحادي والعشرين، كأوعية للذاكرة البيئية ومختبرات حيّة لإعادة ربط الإنسان بالكائنات التي يهددها. وبينما تتراجع الطبيعة في كثير من بقاع العالم، تبعث هذه الولادات برسالة مفادها أن حماية الحياة البرية لا تزال ممكنة، إذا ما توافرت الإرادة والعلم والخيال المؤسسي