آخر الأخبار

قانون المسطرة الجنائية : قانون معتمد وسط انقسام سياسي واستبعاد للجمعيات المشكوك فيها


في النظام الديمقراطي، لا بد من التأكيد على مبدأ جوهري لا يُمكن التغاضي عنه: ليست الحكومة وحدها من يصنع القانون، بل يعود للبرلمان وحده الحق في الموافقة عليه أورفضه، هذا المبدأ، الذي يتوارى كثيرًا عن الأنظار في النقاش العام، تجلى بوضوح في الأحداث الأخيرة داخل مجلس النواب، حيث برز مشروع إصلاح قانون الإجراءات الجنائية الذي طرحه وزير العدل عبد اللطيف وهبي كدليل صارخ على التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية



بعد إقرار القانون، لم يعد من حق الحكومة وحدها التحكم فيه، بل صار نتاجًا لتوازنات معقدة داخل البرلمان، حيث تختلط النقاشات الحامية بالتسويات والتوترات التي قد تصل إلى حد الانقسام، هذه الإصلاحات التي حظيت بموافقة واسعة، رغم معارضة شديدة من بعض النواب، عكست بوضوح عمق الانقسامات التي تشهدها الساحة السياسية

منذ تعيينه، برز عبد اللطيف وهبي كظاهرة مختلفة تمامًا عن أسلافه؛ فبينما كانوا يعتمدون التحفظ والهدوء، اعتمد هو أسلوبًا صارخًا يقارب الاستفزاز، يتحدث بلا قيود، مستفزًا اليمين واليسار على حد سواء، متجاهلًا الأعراف السياسية المتعارف عليها، مما يجعله شخصية مثيرة للجدل تجمع بين المؤيدين والمعارضين على حد سواء،  في كلمة واحدة : شخصية مثيرة للانقسام بامتياز

وليس أسلوبه الحاد وحده ما يشكل تحديًا، بل قوته في فرض إرادته رغم معارضة شرسة من بعض المحامين والجمعيات الحقوقية. في جلسة ماراثونية استمرت ثماني ساعات، مليئة بالمواجهات الحامية، تم اعتماد الإصلاح بشكل حاسم: 130 صوتًا مؤيدًا مقابل 40 معارضًا، دون أي امتناع عن التصويت. نتيجة واضحة بلا منازع.

وقد أثارت المادة الثالثة من القانون غضبًا واسعًا، إذ وسعت من احتكار النيابة العامة لقضايا الفساد، حيث اقتصرت صلاحية متابعة هذه القضايا على مؤسسات رسمية مثل مجلس الحسابات والتفتيشات الإدارية فقط.

أما الجمعيات، فقد أصبحت مطالبة بالحصول على إذن مسبق من وزارة العدل، بالإضافة إلى استيفاء شروط صارمة لكي تُسمح لها بالمثول أمام القضاء كطرف مدني. وهنا تكمن نقطة الخلاف الكبرى، إذ يرى كثيرون أن هذه الخطوة تقيد دور المجتمع المدني، وتضع العراقيل أمام مكافحة الفساد بشكل فعال

وارتفعت الأصوات الرافضة داخل مؤسسات دستورية مثل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (CESE) والمجلس الوطني لحقوق الإنسان (CNDH)، حيث تم التنديد بتقييد حق المواطنين في المشاركة الفعالة في مكافحة الفساد. ورغم ذلك، يرى وهبي أن هذه القيود تعكس قرارًا عقلانيًا يهدف إلى حماية سمعة المنتخبين من حملات التشهير التي قد تشنها بعض الجمعيات، التي يتهمها أحيانًا باستخدام هذا الملف كورقة ضغط سياسية
 

"أنا أعرف ما أقول"

الوزير عبد اللطيف وهبي يمتلك خبرة عميقة في المجال، فهو محامٍ سابق يتحدث من منطلق معرفة مباشرة. يستشهد بحالة أستاذ جامعي يرأس جمعية لمكافحة الفساد، تورط في فضيحة تزوير شهادات، ما يؤكد برأيه أن بعض الهيئات تتستر بالبراءة لتوظيفها في تلاعب بالرأي العام.
 

رغم المعارضة الشديدة، يظل وهبي صامدًا وجريئًا في تصريحاته قائلاً: "قدموا لي رئيس أي بلدية، وسأخبركم كيف سأرسله إلى السجن في غضون أسبوع." خلف هذه العبارة الصادمة تكمن حقيقة مريرة، وهي أن كثرة القوانين وتعقيدها تفتح الباب لملاحقة أي شخص بسهولة، بغض النظر عن السبب الحقيقي
 

الكتلة البرلمانية تؤيد وهبي بحزم

في صفوف الأغلبية، ظل الدعم لوهبي قوياً وثابتاً. رئيس فريق حزب الأصالة والمعاصرة في البرلمان انتقد بدوره "الانحرافات" التي تمارسها بعض الجمعيات، واصفاً إياها بـ"القضاة المنتحَلين". واعتبر أن النيابة العامة ليست من حق أي جهة تدعي الاهتمام بالأخلاق دون وجه حق.

هذه الإشارة المبطنة تستهدف تلك الجمعيات التي تتفاخر عبر وسائل التواصل الاجتماعي بـ"إسقاط" هذا المنتخب أو ذاك الموظف. وكأن البرلمان يرد بأن الديمقراطية ليست سلعة تُباع أو تُشترى عبر فيسبوك
 

المحامون.. هل هم منسيون في نقاش الإصلاح؟

رغم الضجة التي أثارتها الجمعيات حول الإصلاح، ظل صوت نقابة المحامين يطلق تحذيراته بثبات. فقد طالبت هذه الفئة بتوسيع حقوقها في إجراءات الحجز الاحتياطي، لتشمل حق التدخل منذ اللحظة الأولى للاعتقال، ومرافقة المتهمين خلال جميع جلسات الاستماع، وليس فقط وقت توقيع محضر الضبط.
 

ورغم تحقيق بعض التقدم، مثل السماح بالتسجيل الصوتي والمرئي، إلا أن هذه الميزة بقيت مقصورة على مشاهد محددة فقط. أما المطالب الجوهرية للمحامين فلم تُدرج في القانون الجديد، مما جعل جزءاً من الهيئة يشعر بالخيانة، خصوصاً وأنهم كانوا يأملون في تعديل النص عبر ممثليهم في البرلمان
 

إصلاح مثير للجدل لكنه صار قانوناً… فهل سنتمكن من تطبيقه بجدية؟

ما كشفت عنه هذه الحلقة التشريعية هو التوتر العميق الذي يعكس واقع ديمقراطيتنا: رغبة قوية في الإصلاح، مقابل شكوك متزايدة من القوى المضادة، وانقسامات سياسية واضحة ومعلنة.
 

عبد اللطيف وهبي لا يراهن على توحيد صفوف الجميع، وربما يكمن في هذا تكتيكه السياسي. بتصلبه على مواقفه، أجبر الجميع على الخوض في نقاشات حادة، وكسر التقاليد الراسخة، وهزّ الثوابت.
 

ورغم أن رؤيته لا تحظى بقبول شامل، يبقى الواقع أن الوزير استطاع تمرير إصلاح شامل دون الانصياع للضغوط، ليترك بصمته على قانونالمسطرة الجنائية 2025؛ بصمة وزير يزعج، لكنه لا يتراجع.


إصلاح قانوني، قانون المسطرة الجنائية، وزير العدل عبد اللطيف وهبي، البرلمان، الجمعيات المشكوك فيها


Aicha Bouskine
عائشة بوسكين صحافية خريجة المعهد العالي للإعلام والاتصال، باحثة في العلوم السياسية وصانعة محتوى في إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الخميس 22 ماي 2025

              

Bannière Réseaux Sociaux

Bannière Lodj DJ















تحميل مجلة لويكاند






Buy cheap website traffic