كتاب الرأي

زواج القاصرة..هل نرخص أم نجرم ؟


هذه مقالة ربما يقيض لها الله تعالى أن تصير كتابا، أو جزءا من كتاب، اساهم به في النقاش الدائر بخصوص إصلاح المدونة،و هي تهم بالتحديد موضوعا فرعيا يسبب الكثير من الصخب، و يؤجج الصراع باستمرار ، يدور حول زواج أو تزويج القاصرة....الموضوع الذي صار، أو أريد له أن يصير خلافيا، بل وحديا بسبب اختلاف المرجعية التي يصدر عنها المتساجلون.والتي كما نرى بأم أعيننا جميعا لاتنفك تتراوح بين دينية إسلامية تنعث بالمحافظة وأحيانا "بالمتشددة" ، وأخرى تتسمى بأسماء شتى : تقدمية ،حداثية ،علمانية، حقوقية و يسارية. ولكني افضل أن اجمعها تحت مسمى المرجعية المادية.



الدكتور خالد فتحي

الجزء الأول 

أخذ هذا الاستقطاب الشديد بخصوص الموقف من هذه القضية  طابعا إيديلوجيا ،بل و ديماغوجيا ،وصار  يغطي على  الأدلة العلمية والمنطقية التي ينبغي لها وحدها امام هذا التدافع ان تمحص من طرفنا جميعا  لاجل اتخاذ قرار حاسم بشأنها.    

لذلك أخمن أن المطلوب مني  بالذات أن أنأى عن هذه المواجهة المزمنة ،وأدلي بالخصوص بمقاربة علمية وطبية للموضوع،و لكن  قضيتي الأسرة وزواج القاصرات بالضبط،  لايستغنيان ولا يسلمان أبدا من المقاربات  الشرعية والقانونية و الاجتماعية و  الاقتصادية و  الثقافية . فزواج القاصرات   ليس بالتأكيد  بالموضوع  الطبي الصرف   الخالص  .   

أ- مسلمات  قبلية :     
   
قبل ان نبحر في الموضوع ،لابد أن نتوافق على الآتي : 


1- أن الإسلام والشرع ،و كذلك كل الأديان السماوية  السابقة ،لم يحددوا  أي  سن للزواج،وانما قد ترك هذا الأمر حرا لتنظمه العادات والاعراف حسب اختلاف الشعوب والبيئات، وهذا يفسر لماذا تختلف الشعوب فيمابينها بخصوص السن الأدنى للزواج ، ولماذا تختلف حتى المناطق ضمن الوطن الواحد في ذلك أيضا،  وذلك تبعا لاختلاف الظروف الثقافية والمناخية والجغرافية والاقتصادية والاجتماعية. 


2- أن الشريعة فوق ضمانها لتلك الحرية للمجتمع، قررت   ايضا ان تربط الزواج بالقدرة والاستطاعة  بشرط عدم الاضرار بالبنت  بناء على قاعدة لاضرر ولاضرار .وبالتالي كان هذا  الزواج على مر القرون  عرضة للاجتهادات الفقهية ،حتى أن  الفقهاء المسلمين فرقوا بين الزوج كعقد والزواج كعلاقة جسدية فعلية  بين القاصر وزوجها ،والذي يمكن له حسبهم  أن بتأخر قليلا  في بعض الأحيان لحين اكتسابها لهذه القدرة .وهذا مااقتربت منه على سبيل المثال   بشكل ما   مذكرة حزب اليسار الديمقراطي التي اقترحت خطوبة في سن 16تدوم لعامين الى حين بلوغ سن 18 ثم ابرام الزواج والفتاة راشدة .     

        
3-  أن  الانقسام  بين التيارين العلماني والتقليدي  بخصوص هذه المسألة يجعل النقاش المجتمعي متوترا، وأحيانا يرده مستحيلا. اذ هناك نوع من الإسقاط اللاوعي او الواعي ، فالكل صار يختبر من خلال هذا الموضوع قدرته ليس على الإفحام المنطقي بل على الحشد السياسي أساسا  ،هكذا يسارع المحافظون الى نعت  الحداثيين بالتعسف والتضييق على الحلال في هذه المسألة  ،بينما يجيبهم هؤلاء،بكونهم  قساة غلاظ ، متحجرون، لايواكبون التحولات، ويعيشون اسرى لأفكار وعادات القرون الوسطى ، بل و أنهم يشجعون تحت غطاء القانون نوعا  مقنعا من البيدوفيليا. 

فمالعمل  اذن لتجاوز  هذا المازق؟  وكيف نخرج  من أزمة الحوار هاته  ؟؟.

ب - ضرورة البرهان العلمي الإحصائي

 4 - أمام هذا الانسداد ، لا يكون امامنا  بد من منهجية مجمعة ومحايدة لا يستطيع اي من  الفريقين التنصل منها  ،وهي المقاربة العلمية الإحصائية، فمن الخطأ في مثل  هذا الموضوع،و أمام كل هذا التشنج ، أن تنطلق  من نماذج ايديلوجية جاهزة،مادام الآخر لايتبناها ولا يستسيغها .

ولذلك يكون عليك  أن تختبر صمود مرجعيتك وبالتالي رأيك  امام الملأ بان تخضعهما لمحك  العلم و اختبار الأرقام.

 إذا  كان  علينا لسلامة الحوار والترافع،  أن نتوفر على  لوحة واضحة  لزواج القاصرات بالمغرب، للحكم سلبا او إيجابا  على الاقتراحات، وليكون نقاشنا  مضاء ، منتجا ومثمرا .

 كان يجب إطلاق دراسة ميدانية  لتجميع  الارقام والنسب والمنحنيات. عدد الاناث ،والذكور ،نسبة الزواح،نسبة الطلاق قبل سنة وقبل سنتين وقبل خمس سنوات،نسبة الطلاق  العامة وحسب الفئات العمرية ،نسبته بين الراشدات وبين القاصرات، نسبة الهدر المدرسي لدى  القاصرات المتزوجات ،ومقارنته مع فئتهن العمرية ، كان  يجب كذلك ان نتتبع القاصرات اللواتي رفض لهن الإذن بالزواج،  ونحصيهن  ونتعرف على مصيرهن الدراسي والأسري بعد هذا الرفض خصوصا وأن الرقمية ووسائل التواصل تضمن كل هذا  .  كان علينا  ان نجيب بالمنحنيات  عن السؤال الجوهري  الآتي :  هل الهدر المدرسي سبب أم نتيجة لزواج القاصرات و أن نعزز جوابنا  بالارقام؟ ،و ان  نجمع فوق ذلك  كل  المؤشرات الأخرى  لنتمكن من التحليل المقارن. 

 إن هذه النسب و المنحنيات المفصلة ، لو اننا انجزناها قبل النقاش، كانت سترشدنا للقرارات الصائبة  التي تحظى بموافقة الجميع ،  وبالتالي لما  نفتي عمليا  في زواج القاصرات نكون مدججين بالأدلة العلمية والاحصائية . للأسف لدينا فقط عدد اذونات الزواج بالقاصرات ونسبة هذا الزواج التي تمثل 13% تقريبا من مجموع الأذونات. 

ولكننا نقف هنا ،ولانتوفر على نظرة إحصائية وافية عن مآل تلك الزيجات،فما يقال عن مالها مجرد تخمينات وانطباعات لاغير . 

 فمثل هذه الأرقام هي  التي تنبؤنا بأثر القانون ،و هي  وحدها  من يجنبنا السقوط في فخ سن  القوانين تأثرا  بقصص و حكايات لحالات فردية يتم  انتقاؤها و الترويج لها بتخطيط وسبق اصرار وترصد ،لنسنها بدلا عن ذلك  من خلال فهم مرقم ومحين لمدى الظاهرة.  لا من خلال الانطباع والتاثر الوجداني ،فهما مما لا يليق بالعمل التشريعي.    

- ينقصنا أيضا أننا لا نعتمد منهجا  واحدا في تنظيم  وفرز اقتراحتنا بخصوص المدونة . وذاك يؤثر في نقاش زواج القاصرات، إذ نلاحظ أن هناك  كيلا بمكيالين  في هذا الموضوع  ، فإذا كنا نسعى لمنع أو تجريمه  بحجة ارتفاع الإعداد سنة بعد سنة  ، وبحجة أن  الاستثناء صار هو القاعدة .

فنحن أيضا نسجل ارتفاعا رهيبا لحالات التطليق للشقاق جاوز  500% عما كان عليه الأمر قبل تقنين هذه المسطرة،  مما جعلها مثل سيف دومقليس المسلط على الأسرة.ومع ذلك لايحضر حذف  زواج التطليق في النقاش العام . 

 منع زواج القاصرات سيفقد كل وجاهته  ومصداقيته عندما نغض الطرف عن الهدم الأسري بسبب مسطرة الشقاق.لان المواطنين  سيرتابون من هذا الحماس المفرط ضد زواج القاصرات، مقابل التراخي المبالغ فيه  إزاء مسطرةتحولت لمعول يهدم للمجتمع؟ .وبالتالي سيلجأ الكل للخلاص الفردي والالتفاف على القانون  طلاقا وقاصرة مهما شرعنا. 

- يتحجج الكثيرون بالمواثيق الدولية، وبالضغوط التي يتعرض لها المغرب في المنتديات العالمية، وتضرر صورته عالميا بسبب استمرار زواج القاصرات، وهنا  يجب أن ننبه إلى: 

 1-أولا أن الخصوصية الثقافية اذا  تعارضت مع المواثيق الدولية فلها الأسبقية.. كما ان الخصوصية  حق أصيل  من حقوق الانسان والشعوب، إذ، لكل  أمة تجربتها التاريخية المختلفة.  ،ولا أحتاج أن أذكر أن المواثيق الدولية تتمخض الآن عن اعتماد النموذج الغربي لحقوق الإنسان. ولا أن أسرد لكم   أن الغرب  ينتهك هذه المواثيق في علاقته بالعالم الثالث وببقية العالم  . فاذا كانت كل دولة ملزمة بتبني المبادئ العامة لحقوق الإنسان ،فإنه يبقى لها حق  تنزيلها تنزيلا  لايخاصم هويتها الحضارية. والأسرة هي الوحدة الذي تتوارث فيها هذه الهوية الحضارية.

لذلك ساناقش هذا الموضوع فيمايتبقى من الأسطر  متحررا من المرجعيتين الإسلامية والكونية مستعملا فقط معيار المصلحة الذي لاتنازع فيه  أية واحدة منهما .

ب- كلنا ضد زواج الطفلات

خلال هذه السنة ،طفا على السطح مصطلح استعمل لأول مرة بالمغرب ،وهو تزويج الطفلات.المؤكد أن من سكه فعل ذلك بذكاء غير بريء.لأنه عوض ان يستمر في النقاش، ويقنع ،ويقتنع ،أراد مصادرة النقاش برمته، بالانتقال من زواج القاصرات الى تزويجهن، وهو مايفيد القهر والاكراه وسلب الارادة.وهذا مالايمكن تصوره ،فليست كل المعنيات بالزواج قبل 18 سنة قد تم قسرهن عليه .

وكذلك عندما تم استبدال  كلمة قاصرات بطفلات،فإن الغرض هو إرباك الرأي الآخر بل واستئصاله .فمن منا هو مع زواج الطفلات ؟ ومن منا يرخصه ولايجرمه ؟. لا أحد بطبيعة الحال. وفي الشريعة الإسلامية أيضا  لايوجد تشريع لزواج الأطفال.   وبالتالي فهدف التيار العلماني من هذه المنصورة اللغوية  هو إعدام النقاش .حين تتحدث  الشريعة عن زواج القاصرات   فإنها تقصد الزواج بين 15سنة و18 سنة. كل من أجاز هذا الزواج جعل له حدا أدنى لاينزل عن ١٥ سنة. وفي الشريعة لا تكليف قبل البلوغ ،وفي الاثر ان عمر بن عبد العزيز اعتبر ان الخروج من الطفولة يكون في سن 15  اعتمادا على قول لابن عمر  انه عرض نفسه  على الرسول صلعم ،وعمره 14 ل سنة لمشاركة مع الجند   فرفضه، ثم عاد وقبله وهو في سن 15 سنة .


كذلك  إن  مرحلة الطفولة الآن باتفاق أطباء الأطفال  تنتهي عند سن ١٤ سنة .كل مستشفيات الأطفال بالعالم لا تستقبل طفلا جاوز ١٤ سنة بيوم واحد .ولذلك فزواج القاصر او الزواج المبكر هما المصطلحان الحياديان اللذان يضمنان استمرار النقاش ،خصوصا وأن من يتسامح مع زواج القاصر بشروط يضيف سنة أمان لسن 14 سنة ويجعله  لزوما ابتداءا من سن  15 سن.   
    

وهنا يتعين علينا أن نلفت نظر أنصار  هذا الاتجاه الحداثي إلى  أن الدول الغربية التي اخترعت الحداثة و التي   ترافع  وتدفعهم للمرافعة  لأجل منع زواج القاصرات حتى بعد 16  سنة ،لاترى ماببن ١٤ سنة و١٦ سنة  مرحلة طفولة .اذ تعتمد لها ماتسميه سن  الرشد الجنسي الذي يمكن معه إقامة علاقة جنسية مع قاصر برضاها دون متابعة جنائية .  هو في فرنسا 13 سنة و14 سنة في النمسا وبلغارياو ألمانيا وايطاليا والبرتغال و15سنة في بولندا والتشيك ورومانيا والسويد وكرواتياواليونان و16سنة في بلجيكا وهولنداوالمملكة المتحدةواسبانياوفلندا.


ومع ذلك لا يعتبرهم الاتجاه العلماني لدينا منتهكين لحقوق الطفل او للمواثيق الدولية، ولا ينهاهم عن    
التشهير  بالدول العربية والاسلامية التي ترخص للزواج وليس للعلاقة الجنسية العابرة في سن تفوق16سنة .مما يثير تساؤلات لدى البعض  حول الهدف من  منع هذا الزواج منعا باتا، هل هو فعلا مصلحة الفتاة؟أم محاربة فكرة الزواج؟؟.


هل هو اجتهاد أبدعه العقل العلماني الحداثي المغربي؟ أم هو رضوخ المغلوب للغالب ؟.هل هو قرار علمي ام قرار ايديولوجي ؟.
 

بهذا المعنى تتفهمون ان يوجد  من يتوجس من أن يتلو منع زواج القاصرات  تقنين لسن الرشد الجنسي عندنا  بدعوى أن  ذلك يقع بفرنسا وبريطانيا ودول الغرب ،وبكون الفتاة لايمكنها قمع غريزتها الجنسية  إلى 18 سنة. وذلك من خلال استدعاء و توظيف مفهوم الحرية الفردية ونسيان مبدأ عدم قدرة القاصر على تحمل الزواج . اتمنى ان يكون هؤلاء المتوجسون مسرفين في سوء ظنهم . 

الآن  سأورد نقاطا علمية  تسعف في بلورة موقف بخصوص زواج القاصرات : ما سأقوله  معلومات، وليس تحليلا او موقفا من القضية: وسأبدأ بالحجج التي تدعم اتجاه الترخيص بشروط لهذا الزواج :

1-   معدل سن البلوغ عند الفتيات تقدم في القرون الثلاثة الأخيرة  بسنة كل قرن،  بمعنى أنه  في القرن 18 كان متأخرا عنه في القرن19 سنة .وأنه في  القرن 20 تم مبكرا عن القرن 19 ، وذلك بفضل تحسن التغذية ومستوى الصحة العامة .


 غالبا ما نتحدث عن ضرورة مواكبة التحولات الاقتصادية والاجتماعية  بقوانين جديدة. إذ المراة تساهم في إعالة الأسرة الآن.،و يتاح لها التعليم والشغل كالرجل ، . هذا جميل جدا،ولكننا نسقط من حساباتنا  هذا التحول الفيسيولوجي الذي يجب أيضا مواكبته .فإذا كانت الفتاة تصل مبكرا للبلوغ، فمن الممكن أن يسمح لها في بعض الحالات وفي بعض السياقات الخاصة   بالزواج مبكرا. 


2- رشد الفتاة لايحل فجأة ليلة عيد ميلادها الثامن عشر، بل هو عملية مستمرة بالزمن، وقد تحدث واقعيا أقل بقليل من سن 18 أو بعد هذه السن ،وهذا مرتبط بالخصوص بذكائها الاجتماعي .كما انه يفسر منح الأطباء لشهادة تسمح بزواج بعض القاصرات .

 
وفي الحقيقة تحديد سن نمطي للزواج في 18 سنة والتشبت به ،هو دليل على تكلس وجمود  الرؤية العلمانية التي لا تستطيع الانطلاق إلا مما هو كمي ،حسابي ،أو عددي ، كأنها تشرع لماكينات أو لآلات .بينما الشريعة مرنة، و لديها رؤية شمولية،و تنظر للفتيات في كل أنحاء المغرب، وفي البوادي خصوصا، ولأولئك اللائي غادرن لسبب ما مقاعد الدراسة ،هي تنطلق من الواقع ،وتحدد مفهوما إنسانيا لهذا الترخيص بالزواج وتربطه بالإطاقة والاستطاعة .


زد على ذلك أنه يتم ترشيد القاصر المحجور عليه   في سن 16 سنة واعطاءه ماله للتصرف فيه  ،إضافة إلى أنه بإمكان القصر  أن يحصلوا  على رخصة  سياقة السيارة قبل سن 18. 

 وكذلك،وهذه مفارقة كبيرة، يفتح القانون باب الإذن بزواج المعاق ذهنيا رغم عدم مسؤوليته وزمانة إعاقته الذهنية الممتدة في الزمن، بينما يدعو البعض لمنع    الفتاة القاصر  رغم أن قصورها هو أمر مؤقت ومرحلي ،إذ ستصل بعد سنة أو سنتين لسن الرشد القانوني . 


3-انخفاض الخصوبة صار يحل  مبكرا لدى المراة. فالمبايض لها سنها الخاص المختلف  عن  سن باقي أعضاء الجسد . عدد البويضات أو الجريبات  عندما تكون الفتاة جنينا هو7 ملايين يتبقى منها مليون فقط عند ولادتها .عند البلوغ لديها فقط 400000 بويضة و35 الف فقط عند ٤٠ سنة و١٠٠٠ عند ذهاب العادة الشهرية.


 هذا الانخفاض  له علاقة بتلوث البيئة و بالنمط الغذائي وبالقلق الذي صار يسم الحياة العصرية. وبسبب التأخر في الزواج وعدم الحمل والرضاعة .

لقد أصبحت الكثير من النساء  للأسف تطلبن المساعدة على الإنجاب في سن مبكرة أي عند  34 سنة وأقل.  


لذلك أرجو أن نلاحظ معا  أن الطبيعة صارت قاسية وتعجل بانخفاض الخصوبة لدى المرأة  . فتقلص سنوات الخصوبة. وهذا الأمر لا نملك طبيا كيف نعاكسه.فإذا قام القانون  من جهة أخرى بتأجيل سن الزواج لدى الكل  إلى  18 سنة، ألى نكون بذلك  نفاقم هذا التقليص من سنوات الخصوبة ؟؟ ألا ننقص انذاك  الخصوبة من طرفيها:  من جهة سن  الياس، ومن جهة البلوغ والرشد ؟؟إنه مجرد سؤال فقط  ؟؟ . الى نضر بالامن الديمغرافي للبلاد؟


4- منع زواج القاصرات يجعلنا ننتبه ضرورة إلى التراجع  العالمي  المذهل للخصوبة. التوقعات مرعبة. ف23دولة سييتناقص سكانها إلى النصف بحلول  2100.. هذا التراجع يهم  الجنسين بسبب التلوث   وتناول المنشطات  و كذلك بسبب المنغصات الهرمونية التي تدخل في تركيب عدد من الأغذية،  كما أن  استفحال آفة  الطلاق  يفكك بدوره الأسر ويهوي بفرص الإنجاب.  


 هناك أسباب أخرى  خاصة  بالاناث نوجزها  في الرغبة في التعليم ، تحقيق الذات ، وسائل منع الحمل، وانتشار بعض الامراض المسببة للعقم كالأمراض المتنقلة جنسيا بسسب الشروع في العلاقة الجنسية المتعددة  في سن المراهقة ، وتكيس المبايض الذي صار ظاهرة  مقلقةعند المراهقات والشابات  . 


هذه المعطيات العلمية تبين أن الموضوع ليس بسيطا. بل هو مركب ويتطلب التمحيص  ونفاذ البصيرة. 

5-  ولكن ،وحيث أنه ايضا من الحجج التي تساق  لمنع زواج القاصرات، مخاطره بالنسبة لصحة القاصر  ووليدها  ، فإنه يهمني أن أضيف   بهذا الصدد  معلومتين يتغافل عنهما دعاة الاتجاه الحداثي .


أ- أن نسبة انجاب فتاة قاصر سنها 16سنة لطفل منغولي مثلا  يعاني من  التثالث الصبغي هو1/3000  ,وهي  1/1600 في 25 سنة،و ١/1000 في ٣٠ سنة،١/365 عند ٣٥ سنة ،١/90 في40 سنة الى 1/19  بعد ٤٥ سنة. وهذا ينطبق أيضا على الاختلالات الوراثية والصبغية الأخرى. ففي السن المبكرة تكون البويضات أجود، واحتمال اخطاء التلقيح ضعيفا جدا ،وبالتالي فإن الزواج المبكر يمنحنا نسلا قويا وصحيحا من  الناحية الوراثية.


6- لكن وللأمانة الطبية كانت الدراسات  الطبية سابقا  تدل من جانب آخر الى أن مواليد القاصرات معرضون أكثر لخطر الوزن الناقص وسوء النمو داخل الرحم والولادة قبل الأوان، وما قد يترتب عنها من إعاقة ومضاعفات خطيرة.


وهنا لابد ان اشير إلى ان الأطباء لم يعودوا يركزون على المضاعفات الجسدية للأم الصغيرة أو القاصر .فالدراسات أثبتث أنه إذا كان المستوى الاجتماعي والاقتصادي متساويا ،و،كان الزواج يعرف نفس درجة الوئام بين الزوجين ،فإن الحمل لدى القاصر لايختلف في تبعاته العضوية عن الراشدة.


وهنا يهمني أن اقول إن تركيز الاطباء حاليا لم يعد على القاصرات ،وإنما انتقل الى التركيز على المضاعفات لدى من ينجبن في سن متأخر عند ٣٧ سنة. الآن، بالنسبة للقاصر، لم نعد ندفع بالمضاعفات البيولوجية أو الجسدية، بل صرنا ندفع بالمضاعفات الاجتماعية ( هي التي يجب أن يأخذها  القاضي بعين الاعتبار ويتوقع إمكانية وقوعها).


 بمعنى أن نقاش القاصر انتقل من المجرة الطبية الى المجرة الاجتماعية .لقد اضمحل مفهوم حمل القاصر الخطير جسديا وعضويا ،وحل محله مفهوم الحمل المبكر المنطوي على مخاطر نفسية واجتماعية ). وبالتالي صار هذا الحمل مرادفا لدى الأطباء لأشياء أخرى، كالعزلة الاجتماعية،والصعوبات النفسية والاجتماعية،وعسر التكيف الاجتماعي،وتمزق الروابط الأسرية والمدرسية،وخطر الوالدية الواحدة( بسبب الطلاق) وسوء المعاملة ،وكذا أحيانآ بإمكانية قتل المولود الجديد.وبالتالي رمى الأطباء بالأمومة المبكرة  إلى  حضن علماء الاجتماع باعتبارها قد تشكل إعاقة اجتماعية ،وتركوا لهم حرية تصنيفها ودمجها ضمن ماهو مرضي اجتماعيا فقط .


لكن المعسكر الذي لايرى ضيرا في السماح أحيانا بالزواج وبالامومة المبكرين لايرفع أبدا  الراية البيضاء،معتبرا أنه لايمكن أيضا وضع هذا الزواج والحمل ضمن نطاق ماهو مرضي .اذ يعتبرون ذلك مجرد خلاصات متسرعة تبيح بعض التحفظات، ومنها أن  بعض علماء الاجتماع والأطباء و كثير من الحقوقيين،إنما يفكرون انطلاقا من نموذجهم الفلسفي ومن تجربتهم الحياتية وانطباعاتهم الخاصة ليس إلا . ،فيعالجون القضية متأثرين بما تقع عليه عيونهم،وغالبا ما يجمعون ويعتمدون العينات التي يدرسونها من فتيات غارقات في المشاكل الاجتماعية والنفسية وحتى العضوية ،ولاينتبهون أو يحسبون أولئك القاصرات المتزوجات والأمهات مبكرا اللواتي عشن وأشرن على تجربة ناجحة.


 وأنهم ديكتاتوريون( علماء الاجتماع)  بالخصوص،إذ  لايعترفون بحق بعض المراهقات نظرا لسياقهن الاجتماعي  في اختيار الزواج والحمل المبكرين على غيرهما من المشاريع الحياتية الأخرى التي يرونها هم ( الاتجاه الحداثي  ) أكثر أمانا كالتعليم، والشهادة العليا  والشغل .


يزيد الاتجاه المتسامح مع زواج القاصرات ( بشروط) من الشعر بيتا ،فيدفع  بأن  القاصرات لايمثلن مجموعة متجانسة رغم أنهن يجلسن تحت لواء نفس اليافطة،فهن يختلفن في السن ،والبنية العضوية والذهنية،والنضج ،والمستوى الاقتصادي والاجتماعي ،و في جذورهن وبيئتهن  الثقافية.وهكذا فانه لايوجد زواج مبكر، بل توجد زيجات مبكرة ،ولازاوج للقاصر بل زيجات للقاصرات،ولا امومة مبكرة بل أمومات مبكرة .زواج القاصرات مصطلح يوحد خطأ هذه الظاهرة ،فالمصطلح الصحيح هو زيجات القاصرات ،وبالتالي منها مايستوجب الترخيص، ومنها مايتطلب المنع .كذلك يرى هذا الاتجاه أن علينا الاعتراف بأن سوء الوضع الاجتماعي ،وعدم الاكتمال التعليمي ،وعدم النضج العاطفي والجسدي، ليسوا حكرا على الفتيات القاصرات، بل هم موجودون أيضا لدى الراشدات،وهكذا يرفعون منسوب التحدي قائلين:  إنه إذا أردنا أن نقرر هل زواج القاصرات يضر بهن ويؤثر على جودة حياتهن، وحياة أطفالهن في كل الحالات، فينبغي أن نحسم هذا النقاش من خلال دراسات مستقبلية تتابع زواج كل هذه القاصرات وازواجهن وأطفالهن ولزمن معتبر ومقبول .


عند هذه النقطة يعلو صوت هذا الاتجاه ،فيعلن أن وراء قضية زواج القاصرات أمر آخر ،وبذلك يصعد لهجة الحوار الى مستوى أعلى :فيتهم من يمانع زواج القاصرات والأمومة المبكرة التي قد تنجم عنه ،بأنه يساند بوعي منه  أو بغير وعي الحرب على الفطرة التي تقودها الأمم المتحدة لأجل تجريم الزواج قبل ١٨ سنة وإباحة العلاقة الجنسية خارج الزواج  عند البلوغ  .فيعتبر أن هذا إنما هو سد لأبواب الحلال، وحد لنسل الشعوب، وتهديد لامنها الديمغرافي بقلب هرمها التسكاني في اتجاه  الشيخوخة مما سيعصف بتوازن أنظمة التعاقد .بل منهم من يمنع زواج القاصر وينتزع الأطفال من أسرهم ويسلمهم لأسر شاذة( السويد،النرويج  ..الخ)  .


و منهم كذلك من أجاز الزواج بالحيوانات ،وضمن ذلك تشريعاته الوطنية كحق إنساني .ويضيفون بما يشبه المزايدة على الاتجاه الآخر، أنهم ليسوا مع أي سن لأهلية الزواج سواء قبل ١٨ او بعد ١٨ سنة .اذ المعيار هو ان تكون الفتاة مهيئة جسديا ونفسيا ومعنويا أيا كان سنها . ويمعنون في انتقاد المتشددين مع زواج القاصر بنعتهم أنهم يناضلون وينظمون فعاليات ومبادرات لمحاربة الزواج قبل 18سنة،ولكنهم غير مستعدين بالمقابل لمبادرات للترغيب والتشجيع على الزواج بعد 17سنة خالصين الى ان الزواج مسألة شخصية وعائلية وثقافية دفينة، وبالتالي يجب رفض تجريم الزواج قبل 18 سنة لمن تقدر عليه، فالزواج المبكر حسبهم ليس المشكلة الكبرى للقاصرات ،فالمشكلة هي في الأمراض المتنقلة جنسيا  وفي التسيب الأخلاقي  وفي تبخيس قيمة العفة والإحصان .

Sara Elboufi
سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة مقدمة البرنامج الإخباري "صدى الصحف" لجريدة إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الثلاثاء 26 ديسمبر 2023

              

















القائمة الجانبية الثابتة عند اليمين





Buy cheap website traffic