تتمثل الفكرة الأساسية في إحداث شركتين جديدتين، كل واحدة منهما مملوكة بنسبة 50% لكلا الطرفين. الشركة الأولى، التي أُطلق عليها اسم "FiberCo"، ستُكلف بتسريع نشر شبكة الألياف البصرية الموجهة إلى منازل المشتركين، ما سيساهم في تعميم الولوج إلى الإنترنت عالي الصبيب وتوفير خدمات اتصال أفضل وأسرع لمختلف الفئات والجهات بالمملكة. ويهدف هذا المشروع الطموح إلى بلوغ مليون وصلة ألياف بصرية خلال عامين، ثم التوسع ليصل إلى ثلاثة ملايين وصلة خلال خمس سنوات، وهو رقم يُبرز مدى أهمية الاستثمار في هذا القطاع الحيوي.
أما الشركة الثانية، المعروفة باسم "TowerCo"، فستتولى مسؤولية تسريع تغطية التراب الوطني بشبكة الجيل الخامس (5G) من خلال استثمار مشترك في أبراج الاتصالات اللاسلكية. وستشمل خطة العمل بناء أبراج جديدة وتأهيل الأبراج القائمة لاستيعاب الأجهزة والمعدات التقنية الحديثة اللازمة لتشغيل الشبكة بكفاءة عالية. وتستهدف هذه الشركة إنشاء ألفي برج خلال ثلاث سنوات، وزيادة العدد ليصل إلى ستة آلاف برج على مدى عشر سنوات. هذا الجهد يهدف إلى توفير تغطية شاملة للشبكة الحديثة، مما يعزز من جودة الخدمات ويرسخ مكانة المغرب في مجال الاتصالات الرقمية.
من ناحية قانونية وتنظيمية، أكدت الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات أن هذه الخطوة تستوفي جميع الشروط القانونية الجاري بها العمل، ولا تثير أي مخاوف من حيث المنافسة العادلة في السوق. كما أن عملية التركيز الاقتصادي التي تمخضت عن هذا المشروع لا تؤثر سلباً على حوكمة الشركتين أو على تبادل المعلومات الحساسة بينهما، ما يضمن سير العمل بشفافية ويعزز من ثقة المستهلكين والجهات المنظمة.
مع ذلك، أبدت الوكالة حرصها على متابعة أنشطة "TowerCo" عن كثب، خاصةً في ما يتعلق بمجال أبراج الاتصالات، نظراً لما يمكن أن تثيره من تحديات تتعلق بإتاحة الوصول للفاعلين الآخرين في السوق، وضمان عدم احتكار البنى التحتية الحيوية التي تعتبر ركيزة أساسية لتطوير قطاع الاتصالات.
يمثل هذا التعاون الاستراتيجي خطوة متقدمة تساهم في رفع وتيرة الرقمنة بالمغرب، وتحسين جودة خدمات الاتصالات وتوسيع التغطية على نطاق واسع، بما يتوافق مع الرؤية الوطنية التي تجعل من التحول الرقمي رافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. ويُتوقع أن يؤثر هذا التطور إيجابياً على العديد من القطاعات الحيوية مثل الصناعة الذكية، والخدمات المالية الرقمية، والتعليم عن بعد، والصحة الإلكترونية، مما يعزز قدرة المغرب على المنافسة في الاقتصاد الرقمي العالمي.
هذا التقارب بين "اتصالات المغرب" و"إنوي" يحمل في طياته أيضاً دلالة على نضوج السوق وتوجه الفاعلين إلى استراتيجيات أكثر تعاوناً وتركيزاً على المصلحة الوطنية، بعيداً عن المنافسة السلبية التي قد تؤدي إلى تجزئة الموارد أو إضعاف جودة الخدمات. وقد كان من الواضح أن السنوات السابقة شهدت توتراً كبيراً بين الطرفين، مما أثّر على تطور بعض المشاريع الرقمية، لكن اليوم يبدو أن روح التعاون والتشارك تسيطر على المشهد، بما يعزز فرص النجاح وتحقيق الأهداف الكبرى.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن تأسيس هذه الشركات المشتركة يُعد أيضاً فرصة حقيقية لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية والمحلية، حيث تبرز أمام المستثمرين صورة إيجابية عن استقرار السوق وتوجهه نحو التكامل والتطوير، ما يفتح الباب أمام المزيد من الشراكات والمبادرات التي تدعم التنمية الرقمية في البلاد.