كتاب الرأي

المرض النفسي كأداة نزع الشرعية في الخطاب السياسي: قراءة في ضوء علم النفس الاجتماعي في السياق المغربي


أثارت تصريحات إحدى النائبات البرلمانيات بحزب الإتحاد الإشتراكي التي وصفت بعض الزعماء السياسيين بـ"المرضى النفسيين"، مرفوقة بٱبتسامات إستهزاء على محيا الفريق الإشتراكي، جدلا واسعا في الأوساط السياسية والإعلامية. هذا النوع من الخطاب، الذي يبدو في ظاهره هجوميا ومباشرا، يخفي في طياته ديناميات نفسية اجتماعية عميقة تستحق التحليل من منظور علم النفس الاجتماعي، خصوصا في السياق السياسي المغربي المعاصر.



بقلم: فؤاد يعقوبي دارس لعلم النفس الإجتماعي في السياق المغربي

استخدام مفاهيم الصحة النفسية كوسيلة للتقليل من شأن الخصم السياسي لا يعد فقط انزلاقا لغويا، بل يمثل شكلا من أشكال الوصم الجماعي. فالتوصيف المرضي يحمل دلالة سلبية ثقيلة في التمثلات الاجتماعية، حيث يربط المرض النفسي غالبا بعدم الاستقرار، بالضعف، وبالخروج عن المألوف. وحين يستخدم هذا الوصف في المجال السياسي، فإنه لا يستهدف فقط الأشخاص المعنيين، بل يعيد إنتاج نظرة نمطية تجاه كل من يعاني من اضطرابات نفسية، ويرجع بنا إلى مرحلة كان ينظر فيها إلى الإضطراب النفسي على أنه وصمة تُخفى ولا تُفهم.

هذا الخطاب يعزز ما يسميه علم النفس الاجتماعي بمنطق التمييز بين الجماعات، حيث يُرسخ الفاصل بين "نحن العقلانيون" و"هم المختلون"، في نوع من الاستقطاب الرمزي الذي يضعف جودة النقاش العمومي. وبدلا من الانخراط في حوار عقلاني قائم على الحجة والبينة، يتم اختزال الاختلاف في سمة مرضية تستخدم كسلاح رمزي لنزع الشرعية.

من جهة أخرى، يؤدي هذا النوع من التصريحات إلى تشويش الصورة العامة للممارسة السياسية، ويُقوض ثقة المواطن في المؤسسات والخطابات الرسمية. كما يحدث أثرا سلبيا على فئة واسعة من المواطنين المصابين فعلا باضطرابات نفسية، الذين قد يشعرون بإقصاء مضاعف بسبب استخدام معاناتهم كأداة في الصراع السياسي.

ولعل هذا الحادث يبرز الحاجة الملحة إلى تحسين جودة الخطاب السياسي، سواء من حيث المفردات أو من حيث احترام القيم الإنسانية في النقاش العمومي. فاستعمال مفاهيم تنتمي إلى حقل علم النفس، دون وعي بسياقاتها أو بحمولتها الأخلاقية، لا يساهم فقط في تدني مستوى الخطاب، بل يشرعن أيضا ثقافة التحقير بدل ثقافة الاختلاف.

إن السياسة، في أنقى صورها، يجب أن تكون ساحة لعرض المشاريع، وتداول الأفكار، واحترام الكرامة الإنسانية. أما اللجوء إلى خطاب الوصم والتهجم، فهو ليس فقط مؤشرا على تدهور نوعي في النقاش السياسي، بل هو أيضا خطر حقيقي على النسيج الاجتماعي، وعلى تمثلات الأفراد حول الصحة النفسية والديمقراطية.




الثلاثاء 27 مايو 2025

              

تعليمات خاصة بركن «الرأي الحر / ضيوف المنبر / نبض القلم / بلاغات صحفية »
 
الغاية
هذا الركن مفتوح أمام المتصفحين وضيوف الجريدة للتعبير عن آرائهم في المواضيع التي يختارونها، شرط أن تظل الكتابات منسجمة مع الخط التحريري وميثاق النشر الخاص بـ L’ODJ.

المتابعة والتحرير
جميع المواد تمر عبر فريق التحرير في موقع lodj.ma، الذي يتكفل بمتابعة المقالات وضمان انسجامها مع الميثاق قبل نشرها.

المسؤولية
صاحب المقال هو المسؤول الوحيد عن مضمون ما يكتبه. هيئة التحرير لا تتحمل أي تبعات قانونية أو معنوية مرتبطة بما ينشر في هذا الركن.

الممنوعات
لن يتم نشر أي محتوى يتضمن سبّاً أو قدحاً أو تهديداً أو ألفاظاً خادشة للحياء، أو ما يمكن أن يشكل خرقاً للقوانين المعمول بها.
كما يُرفض أي خطاب يحمل تمييزاً عنصرياً أو تحقيراً على أساس الجنس أو الدين أو الأصل أو الميول.

الأمانة الفكرية
السرقات الأدبية أو النقل دون إشارة للمصدر مرفوضة بشكل قاطع، وأي نص يتبين أنه منسوخ سيتم استبعاده.


















Buy cheap website traffic