و يشمل برنامج المنتدى أكثر من 1300 جلسة علمية، تُنظمها 67 لجنة بحث ومجموعة موضوعاتية منبثقة عن الجمعية الدولية، وتناقش قضايا معاصرة مثل اللامساواة الاجتماعية والبيئية، ودور العلوم الاجتماعية في مواجهة الأزمات العالمية، وإبراز أصوات الجنوب في النقاشات الدولية، مما يعكس طموح المنظمين في جعل المنتدى منصة للتفكير الكوني والنقدي في زمن التحولات المتسارعة.
و في كلمته الافتتاحية، شدد محمد غاشي، رئيس جامعة محمد الخامس، على أن المنتدى لا يُعد محطة تنظيمية عابرة، بل تجسيد لرؤية الجامعة كما أرادها الملك محمد السادس، باعتبارها مؤسسة منفتحة وفاعلة، تراهن على المعرفة كرافعة للتنمية والعدالة كشرط للاستقرار. وأضاف أن الرباط، خلال أيام المنتدى، تتحول إلى مركز عالمي للحوار السوسيولوجي حول أسئلة الإنسان والمجتمع والطبيعة.
و أبرز جيوفري بلاييرز، رئيس الجمعية الدولية لعلم الاجتماع، أن انعقاد المنتدى يمثل لحظة محورية لتأكيد الدور الاستراتيجي للسوسيولوجيا في زمن الأزمات المتعددة، محذرًا من مخاطر الأخبار الكاذبة وتراجع الحريات الأكاديمية، ومشدّدًا على أهمية البحث العلمي النقدي والمستقل لتعزيز العدالة وتنوير القرارات العمومية.
من جانبها، أكدت أليسون لوكونتو، رئيسة المنتدى، أن اللقاء يتجاوز كونه مساحة أكاديمية إلى كونه لحظة لإعادة التفكير في مفهوم المعرفة ذاته، وتقدير الأصوات التي طال تهميشها، مشيرة إلى أن الرباط، باعتبارها ملتقى للثقافات، تضفي على المنتدى بُعدًا رمزيًا وإنسانيًا خاصًا.
و أكد عبد الفتاح الزين، منسق الهيئة المغربية لعلم الاجتماع ورئيس اللجنة المحلية للمنتدى، أن السوسيولوجيا أصبحت ضرورة لفهم التحديات المجتمعية الراهنة، مشيرًا إلى أن النشاط البشري بلغ حد التأثير الجيولوجي، ما يفرض مقاربات جديدة لفهم علاقة الإنسان بالمجال والبيئة، داعيًا إلى جعل المنتدى مساحة لإعادة هندسة الفعل العمومي بالتوازي مع التحليل العلمي الرصين.
و يتضمن برنامج المنتدى أيضًا فعاليات ثقافية وتكوينية موازية، من أبرزها مهرجان الفيلم السوسيولوجي، الذي يحتضنه المعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي، ويعرض أعمالًا سينمائية توظف الصورة في قراءة الظواهر الاجتماعية، إلى جانب ورشات علمية موجهة للباحثين الشباب تتيح لهم التفاعل مع نظريات ومقاربات حديثة في التحليل السوسيولوجي.
من المرتقب أن تُسفر أشغال المنتدى عن توصيات علمية ومؤسساتية تُعزز التعاون جنوب–جنوب وشمال–جنوب، وتدعو إلى دمقرطة إنتاج المعرفة وتكريس الأخلاقيات العلمية، في أفق بناء سوسيولوجيا منفتحة، فاعلة ومؤثرة في السياسات العمومية، تسعى لفهم التحولات وصياغة أجوبة عادلة ومستدامة في ظل عصر الأنثروبوسين.
لا يشكّل المنتدى مجرد تظاهرة علمية، بل يمثل لحظة تأسيسية لمرحلة جديدة في المسار العالمي للسوسيولوجيا، تُمنح فيها الكلمة لأصوات الجنوب، وتُطرح من خلالها الأسئلة الكبرى المتعلقة بمستقبل البشرية، والعدالة، والاستدامة، والمعرفة، مما يجعل من الرباط خلال هذه الأيام مركزًا رمزيًا وعلميًا لحوار عالمي حول الإنسان في زمن التحولات العميقة