كتاب الرأي

الخدمة المدنية للأخصائيين النفسيين: ضرورة مجتمعية لمواجهة الانفلات النفسي


في خضم التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها المجتمع المغربي، لم تعد الحاجة إلى دعم الصحة النفسية ترفا أو خيارا مؤجلا، بل أضحت ضرورة ملحة تفرض نفسها بإلحاح. ومع تزايد مظاهر الاضطراب النفسي والانفلات السلوكي في مختلف الأوساط، من المدارس إلى الشوارع، ومن الأسر إلى المؤسسات، يبرز سؤال جوهري: لماذا لا يتم توظيف الكفاءات النفسية التي تنتجها الجامعات والمعاهد المغربية سنويا في خدمة المجتمع بشكل مباشر ومنظم؟



بقلم فؤاد يعقوبي دارس لعلم النفس الإجتماعي في السياق المغربي

يتخرج كل عام مئات الأخصائيين النفسيين من مختلف المؤسسات الأكاديمية، محملين بتكوين علمي عميق، ودافعية للمساهمة في التغيير الاجتماعي، لكنهم سرعان ما يصطدمون بواقع بطالة هيكلية، وإقصاء ممنهج من السياسات العمومية، في الوقت الذي يثقل فيه كاهل المجتمع بتراكم الأزمات النفسية الحادة والمتنوعة.

إننا نطرح، من موقعنا كمهنيين في الميدان، مقترحا عمليا وبالغ الأهمية: تفعيل سنة من الخدمة المدنية الإلزامية أو الاختيارية لفائدة الأخصائيين النفسيين بعد التخرج، داخل المؤسسات التعليمية، والمراكز الصحية، والمؤسسات السجنية، ودور الرعاية، ومختلف الفضاءات العمومية.

هذا الإجراء لا يعد فقط فرصة لتأطير الكفاءات الشابة ومنحها تجربة ميدانية، بل هو قبل كل شيء استثمار مباشر في الوقاية النفسية الجماعية، وإسهام في استعادة التوازن داخل منظومة اجتماعية باتت مهددة على أكثر من صعيد.

لقد أظهرت التجارب المقارنة، في عدد من الدول، أن إدماج الأخصائي النفسي ضمن السياسات العمومية للرعاية الاجتماعية والصحية يساهم بشكل ملموس في خفض معدلات العنف، وتحسين المؤشرات التعليمية، وتحصين الأفراد من الانهيارات النفسية.

إن تهميش هذه الطاقات لم يعد مقبولا، وبناء الإنسان لا يمكن أن يتم دون أساس متين من الصحة النفسية.

إننا اليوم في حاجة إلى إرادة سياسية حقيقية، تترجم هذا المقترح إلى مشروع وطني، يكرس الاعتراف بالدور المركزي للأخصائي النفسي، ويجعل من الصحة النفسية أولوية لا تقل أهمية عن باقي ملفات التنمية.

نوجه، من موقعنا كمهنيين في ميدان الصحة النفسية، نداء صادقا إلى الجهات الحكومية، وعلى رأسها وزارة الصحة ووزارة التعليم ووزارة التضامن، من أجل فتح نقاش وطني حول إدماج الخريجين من الأخصائيين النفسيين ضمن برنامج فعال ومطر للخدمة المدنية.

هذا ليس ترفا تنظيميا، بل ضرورة وقائية واستثمار حقيقي في رأس المال البشري. فالصحة النفسية اليوم ليست فقط قضية فردية، بل تحد مجتمعي بامتياز.




الثلاثاء 20 مايو 2025

              

تعليمات خاصة بركن «الرأي الحر / ضيوف المنبر / نبض القلم / بلاغات صحفية »
 
الغاية
هذا الركن مفتوح أمام المتصفحين وضيوف الجريدة للتعبير عن آرائهم في المواضيع التي يختارونها، شرط أن تظل الكتابات منسجمة مع الخط التحريري وميثاق النشر الخاص بـ L’ODJ.

المتابعة والتحرير
جميع المواد تمر عبر فريق التحرير في موقع lodj.ma، الذي يتكفل بمتابعة المقالات وضمان انسجامها مع الميثاق قبل نشرها.

المسؤولية
صاحب المقال هو المسؤول الوحيد عن مضمون ما يكتبه. هيئة التحرير لا تتحمل أي تبعات قانونية أو معنوية مرتبطة بما ينشر في هذا الركن.

الممنوعات
لن يتم نشر أي محتوى يتضمن سبّاً أو قدحاً أو تهديداً أو ألفاظاً خادشة للحياء، أو ما يمكن أن يشكل خرقاً للقوانين المعمول بها.
كما يُرفض أي خطاب يحمل تمييزاً عنصرياً أو تحقيراً على أساس الجنس أو الدين أو الأصل أو الميول.

الأمانة الفكرية
السرقات الأدبية أو النقل دون إشارة للمصدر مرفوضة بشكل قاطع، وأي نص يتبين أنه منسوخ سيتم استبعاده.


















Buy cheap website traffic