فن وفكر

قصور اللغة أم قصور الفكر؟


يتردد بين الحين والآخر ، في كتابات بعض الباحثين والأساتذة ، اتهام ضمني أو صريح بأن العربية قاصرة عن مواكبة عالم الحداثة والتقدم العلمي ، “اللغة العربية قاصرة” : لازمة تتكرر في كل نقد للغة الضاد ، على اختلاف مقاصد المدعين وخلفياتهم ، وبالرغم من الحجج المفَنِدة التي يسردها اللغويون واللسانيون ورغم الجهود التي بذلت ، والتي لم تَصل في اعتقاد بعض الباحثين إلى مستوى استعمالها في البحث العلمي ، باستثناء ما يتعلق ببعض المعلومات البسيطة ، بل ذهب البعض إلى استحالة الترجمة ، أو بالأحرى ترجمة بعض المصطلحات والألفاظ العلمية الدقيقة ، والبادي من خلال الانتقادات التي تنبعث بين الحين والآخر هو تبرير الاستغناء عن العربية في التدريس والعلوم ، وحصارها في أناشيد الشعراء وتراتيل الخطباء .



د . فؤاد بوعلي رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية

 لكن ما لم تستوعبه هذه الدعوات ، قصدا أو سهوا ، أن أبجديات العلم تقر بأن اللغات الطبيعية لا تقبل الوصف بالقصور أو التخلف أو غيرها من أحكام القيمة ذات الحمولة الإيديولوجية ، فكل لغة طبيعية هي مؤهلة لتكون لغة علم، ولا يمكن التمييز بين اللغات وفق معيار العلمية وتصنيفها إلى لغات علم ولغات غير علمية ، بشرط أن تتوفر فيها العديد من الضوابط من نحو التأهيل المعجمي والاصطلاحي والاستيعاب المعرفي ، إضافة ، وهذا هو الأهم ، أن تكون لغة وطنية ، لأن الإبداع ، سواء كان علميا أو أدبيا ، لا يمكنه أن يكون بغير اللغة التي نعيشها ونعايشها ،  لكن ما يتغافل عنه الكثيرون هو : هل الإشكال في اللغة أم في المتكلمين باللغة؟ .



  نتذكر في هذا السياق عبارة جبران خليل جبران التي صدح بها منذ عقود : “اللغة مظهر من مظاهر قوة الابتكار في مجموع الأمة ، أو ذاتها العامة…ومستقبل اللغة العربية يتوقف على مستقبل الفكر المبدع الكائن- أو غير الكائن- في مجموع الأمم التي تتكلم اللغة العربية” ، فسهام النقد ينبغي أن توجه ، لا إلى اللغة الحاملة ، بل إلى الفكر المحمول ، لأن لغة الضاد أثبتت أحقيتها في التداول العلمي تاريخيا ، وفعاليتها في نقل المعارف ما زالت آثارها حاضرة في ثنايا العلوم الحديثة ، “وقد استخرج عبد الصبور شاهين معجما كاملا لأمراض العين وأوصاف أجزائها من كتاب القانون لابن سينا ، علما بأن 90% من أسماء الكواكب والنجوم المعروفة اليوم قد تمت تسميتها بأسماء عربية بواسطة الفلكيين العرب ، ولو أردنا ضرب الأمثلة لما وسعتنا الكتب والمجلدات” كما يقول أحدهم .

 

 فالأكيد أن اللغة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالفكر المنتج لها وليست نبتا شيطانيا ، بل هي وسيلة الأمة للتعبير عن حاجاتها ومداركها ، ومن ثمة فاللغة هي بوصلة التطور العلمي والمعرفي للشعوب ، وإذا كان غياب الإبداعية يؤثر على اللغة فإنه لا يجعلها قاصرة أو منعدمة الوجود في المجال العلمي .



    فالقول بعدم وجود المصطلحات العلمية أو مقابلاتها يحتاج إلى ضبط وإعادة نظر ، فمن المؤكد أن نِسبة المُصطَلحات العلمية في الكُتب والمقالات العلميَّة حوالي 3% في المتوسط من مجموع الكلمات ، أما 97% الباقية فهي لغة أدبية عادية ، وأن جُل المصطلحات العلمية التي قد يحتاجها المتعلم والباحث الأكاديمي متوفرة باللغة العربية ، يكفي أن نشير هنا الى ما تقوم به معاهد التعريب والترجمة في العالم العربي ، فمكتب تنسيق التعريب ، التابع لجامعة الدول العربية أنتج لوحده أكثر من 40 معجما تحتوي على أكثر من مائة ألف مصطلح (عربي انجليزي فرنسي) متفق عليها في مختلف التخصصات العلمية ، وكذا ما تقوم به بعض المنظمات الدولية المتخصصة مثل منظمة الصحة العالمية التي وضعت معجما طبيا عربيا متخصصا يوفر عشرات الآلاف من المصطلحات الطبية باللغة العربية .
 
 

 إن الإشكال الحقيقي ليس في اللغة ولا في المصطلح ، ولكن في التداول والاستعمال. فما ينتج من مفاهيم ومصطلحات ، في العلوم المختلفة وباللغات المتعددة ، يمكن نقلها بسهولة إلى لغة الضاد عبر الترجمة والتعريب ، لكن الذي ينقص هو الإرادة السياسية التي تفرض تداولها في مؤسسات الدولة. فحين عربت الإدارة والقضاء استعانت المؤسسات المختلفة بمعاهد التعريب من أجل إنجاز مصطلحات مناسبة لحركية القطاعات الاقتصادية والاجتماعية ، مازالت آثارها حية في بعض المجالات كالتجهيز والقضاء .


لكن حين يغيب الطلب يقل الإنجاز ، وما يثار بين الفينة والأخرى محاولة لتغليف إعلامي ومعرفي لسياسة التمكين للغة الأجنبية في ميادين التعليم والثقافة والإبداع المعرفي ، كما أن النشر العلمي بلغة الضاد يتيح لها الانتشار والتمكين “فلو عدنا إلى تقاليد البحث العلمي وتبادل المنشورات العلمية وتداولها لاتضح لنا أن تلك الرؤية تتجاهل دون عذر مقبول ، حقيقة التطور العاصف الذي يشهده عصرنا في تبادل المعلومات والذي أرسى تقليدا علميا معروفا هو أن يرفق كل بحث علمي ينشر بلغة الباحث بخلاصة وافية لنتائج وطرق البحث وأهدافه بلغة ثانية وبعضها بلغتين” .



   فالقضية إذن ليست قضية اللغة ومدى مواكبتها للعصر بل القضية هي محاولة للعودة نحو الفرنسية وربطنا ثقافيا واقتصاديا وسياسيا بالمركز الفرنسي بدل الانتصار للغتنا العربية .


المصدر : مجلة فرح 

Sara Elboufi
سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة مقدمة البرنامج الإخباري "صدى الصحف" لجريدة إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الثلاثاء 10 يناير 2023

              




مدار اليوم
12:00

نوال المتوكل تنتخب نائبة لرئيس اللجنة الأولمبية الدولية

نوال المتوكل تنتخب نائبة لرئيس اللجنة الأولمبية الدولية
في اليوم الثاني من الدورة 142 لاجتماع اللجنة الأولمبية الدولية في باريس، تم انتخاب البطلة الأولمبية المغربية السابقة نوال المتوكل نائبة لرئيس اللجنة الأولمبية الدولية، إلى جانب الأرجنتيني جيراردو فيرثين. ستبدأ ولايتهما في 10 أغسطس، خلفًا لجون كوتس وسير ميانغ إنغ. تهانينا لنوال المتوكل على هذا الإنجاز الكبير الذي يعكس تميز الرياضة المغربية على الساحة الدولية!
11:57

ميمي الأبيض تحتفل بظهور كجوهراتها في "EMILY IN PARIS"

ميمي الأبيض تحتفل بظهور كجوهراتها في "EMILY IN PARIS"
أعربت ميمي الأبيض عن فرحتها الكبيرة بارتداء بطلات سلسلة "إيميلي في باريس" لمجوهراتها الخاصة بعلامتها التجارية المغربية. وشاركت ميمي مقطعاً تشويقياً للموسم الجديد من المسلسل عبر حسابها على إنستغرام، معلقة: "جد متشوقة لكشف جزء من العرض التشويقي من “إيميلي في باريس” الذي نشرته نتفليكس في موسمه الرابع، حيث يمكنكم رؤية بطلات المسلسل يرتدي مجوهرات من تصميمي". تهانينا لميمي على هذا الإنجاز الرائع الذي يبرز الثقافة والإبداع المغربيين على الساحة العالمية!
11:55

إطلاق منصة "سيدا وسل" لتعزيز التوعية الصحية في المغرب

إطلاق منصة "سيدا وسل" لتعزيز التوعية الصحية في المغرب
تم إطلاق المنصة التفاعلية «سيدا وسل» (Sidawasoul.ma) يوم الأربعاء 24 يوليوز بالرباط، بهدف توفير فضاء آمن لتبادل المعلومات والنقاش حول مرضي السيدا والسل. المبادرة تأتي من الجمعية المغربية للتضامن والتنمية، بدعم من شركاء حكوميين وغير حكوميين، كجزء من برنامج «تسريع الاستجابة لمرض السيدا والسل في المغرب في أفق 2030».

تهدف المنصة إلى تحسين الوقاية والعلاج من هذين المرضين من خلال توفير معلومات علمية وطبية موثوقة، وتشجيع الحوار المجتمعي حول التحديات الصحية. تُعد هذه الخطوة جزءاً من جهود متكاملة لتعزيز النظام الصحي الوطني وتحسين جودة الحياة للأفراد المصابين.














القائمة الجانبية الثابتة عند اليمين





Buy cheap website traffic