إصلاح مرتقب في مشهد إعلامي متحول
في زمن تتزاحم فيه وسائل التواصل الاجتماعي، وتتضاعف الأخبار الزائفة، وتتراجع الثقة في الصحافة التقليدية، بات من الضروري إعادة تعريف مهنة الصحافة، ليس فقط من حيث الأدوار ولكن أيضًا من حيث الحقوق والواجبات. في هذا السياق، جاء مشروع القانون 25.26 ليضع معالم جديدة للممارسة الصحافية في المغرب.
المشروع لا يكتفي بتحديث النصوص، بل يرسم ملامح ميثاق اجتماعي جديد بين الصحافي والمجتمع، يقوم على الحرية المسؤولة. حرية التعبير من جهة، والانضباط الأخلاقي والمهني من جهة أخرى. هدفه الأساسي: صحافة حرة، مهنية، وتحظى بثقة الجمهور.
الحقوق الأساسية التي يكرّسها القانون
1. الاعتراف الرسمي بصفة الصحافي المهني
ينص مشروع القانون على تحديد واضح للصحافي المهني: هو كل شخص يمارس نشاطًا إعلاميًا منتظمًا مقابل أجر، داخل مؤسسة إعلامية معترف بها قانونًا. ويحق له الحصول على بطاقة الصحافة المهنية، التي تمنحه صفة قانونية معترف بها، وتفتح له أبواب الحماية الاجتماعية والتمثيلية المهنية.
2. حرية التعبير والاستقلال التحريري
يؤكد النص على حرية الرأي والتعبير والنشر، ويمنع بشكل صريح أي رقابة قبلية من السلطات العمومية. للصحافي كامل الحرية في اختيار المواضيع وزاوية التناول، شريطة احترام الضوابط الأخلاقية، والامتناع عن التزوير أو التحريض أو التشهير.
3. الحق في الولوج إلى المعلومة
يرسخ المشروع حق الصحافيين في الحصول على المعلومات من الإدارات والمؤسسات العمومية، في إطار الشفافية وخدمة المصلحة العامة. لكنه في الوقت نفسه يضع بعض الاستثناءات المرتبطة بالأمن الوطني وحماية الحياة الخاصة. وفي حال الرفض، يُتيح القانون آليات للطعن والتظلم.
4. حماية سرية المصادر
يعتبر القانون الحفاظ على سرية المصادر الصحافية حقًا جوهريًا لا يجوز المساس به، إلا في حالات استثنائية وبقرار قضائي مبرر. هذه الضمانة أساسية لتمكين الصحافي من أداء دوره الاستقصائي دون خوف من الانتقام أو الضغط على مصادره.
5. الحماية من التهديدات والتضييق
يجرّم القانون أي شكل من أشكال الاعتداء أو التهديد أو الضغط على الصحافيين أثناء تأديتهم لمهامهم. ويشدد على مسؤولية الدولة في ضمان سلامة الصحافيين جسديًا ومعنويًا، خاصة في المناطق النائية أو في المواضيع الحساسة.
مسؤوليات متزايدة بحجم الثقة المجتمعية
الحرية لا تعني الفوضى. لذلك، يضع المشروع التزامات واضحة على عاتق الصحافي، تتعلق بدقة المعلومة، احترام القيم، وعدم الإضرار بالأفراد أو بالمجتمع.
1. واجب التحقق من صحة المعلومات
يلزم القانون الصحافي بالتثبت من صحة الأخبار قبل نشرها، مهما كانت مصادرها. السبق الصحافي لا يبرر التسرع أو التهويل أو نقل الإشاعات. فالمصداقية هي رأس مال الصحافة.
2. احترام الحياة الخاصة والكرامة الإنسانية
يُمنع التعرض للحياة الخاصة للأفراد دون مبرر، كما يُحظر نشر صور أو تفاصيل تمس بكرامتهم، خصوصًا بالنسبة للقاصرين أو ضحايا العنف أو الأشخاص غير العموميين.
3. منع التحريض على الكراهية أو العنف
يمنع المشروع أي محتوى من شأنه التحريض على الكراهية الدينية أو العرقية أو الجنسية، أو الترويج للعنف، مع إمكانية المتابعة القضائية في هذه الحالات، وإن كانت العقوبات السجنية لم تعد هي القاعدة، بل حُدِّدت عقوبات مالية وتدابير تصحيحية كبدائل.
4. المسؤولية القانونية والأخلاقية
كل صحافي مسؤول قانونيًا عن ما يكتبه أو ينشره. كما تتحمل المؤسسة الإعلامية أيضًا جانبًا من المسؤولية، خاصة إذا ثبت غياب الرقابة التحريرية أو التواطؤ في الانحراف المهني.
5. الالتزام بميثاق الأخلاقيات
يوطّد مشروع القانون دور المجلس الوطني للصحافة كهيئة تنظيمية، مخوّلة بمتابعة الالتزام بميثاق أخلاقيات المهنة، وتلقي الشكايات، وإصدار عقوبات تأديبية داخلية. الأخلاقيات لم تعد شأنًا داخليًا، بل قاعدة ملزمة تُطبق على الجميع.
نحو إنهاء المتابعات القضائية بالسجن
من أبرز مستجدات المشروع، حذف العقوبات السجنية في قضايا النشر، باستثناء الحالات القصوى (كالتشهير المتعمد أو التحريض على العنف الممنهج). ويُعوّض الحبس بغرامات مالية متدرجة، أو بإلزام المؤسسات بتصحيح الخطأ أو تقديم توضيح علني.
هذا التوجه يُعتبر خطوة إيجابية في اتجاه تخفيف التوتر بين الصحافة والعدالة، وتحقيق عدالة متوازنة لا تكمم الأفواه، ولكن لا تتسامح أيضًا مع التجاوزات المهنية.
الحذر من التأويلات وسوء التطبيق
رغم الإيجابيات، تحذر بعض الهيئات المهنية من خطورة التأويل الفضفاض لبعض بنود القانون، خصوصًا تلك المتعلقة بالأمن العام أو النظام العام. فهذه المفاهيم قابلة للتأويل وقد تُستعمل – إن لم يكن هناك وعي قانوني – لتقييد الصحافة بدل حمايتها.
كذلك، يطرح موضوع التطبيق في الجهات تحديًا إضافيًا، حيث يعاني العديد من الصحافيين في المناطق البعيدة من غياب الدعم القانوني والنقابي الكافي، مما يجعلهم عرضة للابتزاز أو للعنف الرمزي والمادي.
و يُعدّ مشروع القانون 25.26 محاولة جادة لإعادة الاعتبار لمهنة الصحافة في المغرب. فهو يكرّس الحريات، ويضع إطارًا للواجبات، ويطمح لإعادة بناء جسور الثقة بين الإعلام والجمهور.
لكن نجاحه الحقيقي لا يُقاس بنصوصه، بل بمدى تفعيلها على أرض الواقع، وباستعداد الدولة والمجتمع والصحافيين أنفسهم للاحترام المتبادل والالتزام الأخلاقي. فالإعلام القوي ليس هو الإعلام المُطبّل، ولا الإعلام المُتجنّي، بل الإعلام الذي يُمارس حريته بوعي، ويُدافع عن قيمه بشجاعة، دون أن يُفرّط في مهنيته.
في زمن تتزاحم فيه وسائل التواصل الاجتماعي، وتتضاعف الأخبار الزائفة، وتتراجع الثقة في الصحافة التقليدية، بات من الضروري إعادة تعريف مهنة الصحافة، ليس فقط من حيث الأدوار ولكن أيضًا من حيث الحقوق والواجبات. في هذا السياق، جاء مشروع القانون 25.26 ليضع معالم جديدة للممارسة الصحافية في المغرب.
المشروع لا يكتفي بتحديث النصوص، بل يرسم ملامح ميثاق اجتماعي جديد بين الصحافي والمجتمع، يقوم على الحرية المسؤولة. حرية التعبير من جهة، والانضباط الأخلاقي والمهني من جهة أخرى. هدفه الأساسي: صحافة حرة، مهنية، وتحظى بثقة الجمهور.
الحقوق الأساسية التي يكرّسها القانون
1. الاعتراف الرسمي بصفة الصحافي المهني
ينص مشروع القانون على تحديد واضح للصحافي المهني: هو كل شخص يمارس نشاطًا إعلاميًا منتظمًا مقابل أجر، داخل مؤسسة إعلامية معترف بها قانونًا. ويحق له الحصول على بطاقة الصحافة المهنية، التي تمنحه صفة قانونية معترف بها، وتفتح له أبواب الحماية الاجتماعية والتمثيلية المهنية.
2. حرية التعبير والاستقلال التحريري
يؤكد النص على حرية الرأي والتعبير والنشر، ويمنع بشكل صريح أي رقابة قبلية من السلطات العمومية. للصحافي كامل الحرية في اختيار المواضيع وزاوية التناول، شريطة احترام الضوابط الأخلاقية، والامتناع عن التزوير أو التحريض أو التشهير.
3. الحق في الولوج إلى المعلومة
يرسخ المشروع حق الصحافيين في الحصول على المعلومات من الإدارات والمؤسسات العمومية، في إطار الشفافية وخدمة المصلحة العامة. لكنه في الوقت نفسه يضع بعض الاستثناءات المرتبطة بالأمن الوطني وحماية الحياة الخاصة. وفي حال الرفض، يُتيح القانون آليات للطعن والتظلم.
4. حماية سرية المصادر
يعتبر القانون الحفاظ على سرية المصادر الصحافية حقًا جوهريًا لا يجوز المساس به، إلا في حالات استثنائية وبقرار قضائي مبرر. هذه الضمانة أساسية لتمكين الصحافي من أداء دوره الاستقصائي دون خوف من الانتقام أو الضغط على مصادره.
5. الحماية من التهديدات والتضييق
يجرّم القانون أي شكل من أشكال الاعتداء أو التهديد أو الضغط على الصحافيين أثناء تأديتهم لمهامهم. ويشدد على مسؤولية الدولة في ضمان سلامة الصحافيين جسديًا ومعنويًا، خاصة في المناطق النائية أو في المواضيع الحساسة.
مسؤوليات متزايدة بحجم الثقة المجتمعية
الحرية لا تعني الفوضى. لذلك، يضع المشروع التزامات واضحة على عاتق الصحافي، تتعلق بدقة المعلومة، احترام القيم، وعدم الإضرار بالأفراد أو بالمجتمع.
1. واجب التحقق من صحة المعلومات
يلزم القانون الصحافي بالتثبت من صحة الأخبار قبل نشرها، مهما كانت مصادرها. السبق الصحافي لا يبرر التسرع أو التهويل أو نقل الإشاعات. فالمصداقية هي رأس مال الصحافة.
2. احترام الحياة الخاصة والكرامة الإنسانية
يُمنع التعرض للحياة الخاصة للأفراد دون مبرر، كما يُحظر نشر صور أو تفاصيل تمس بكرامتهم، خصوصًا بالنسبة للقاصرين أو ضحايا العنف أو الأشخاص غير العموميين.
3. منع التحريض على الكراهية أو العنف
يمنع المشروع أي محتوى من شأنه التحريض على الكراهية الدينية أو العرقية أو الجنسية، أو الترويج للعنف، مع إمكانية المتابعة القضائية في هذه الحالات، وإن كانت العقوبات السجنية لم تعد هي القاعدة، بل حُدِّدت عقوبات مالية وتدابير تصحيحية كبدائل.
4. المسؤولية القانونية والأخلاقية
كل صحافي مسؤول قانونيًا عن ما يكتبه أو ينشره. كما تتحمل المؤسسة الإعلامية أيضًا جانبًا من المسؤولية، خاصة إذا ثبت غياب الرقابة التحريرية أو التواطؤ في الانحراف المهني.
5. الالتزام بميثاق الأخلاقيات
يوطّد مشروع القانون دور المجلس الوطني للصحافة كهيئة تنظيمية، مخوّلة بمتابعة الالتزام بميثاق أخلاقيات المهنة، وتلقي الشكايات، وإصدار عقوبات تأديبية داخلية. الأخلاقيات لم تعد شأنًا داخليًا، بل قاعدة ملزمة تُطبق على الجميع.
نحو إنهاء المتابعات القضائية بالسجن
من أبرز مستجدات المشروع، حذف العقوبات السجنية في قضايا النشر، باستثناء الحالات القصوى (كالتشهير المتعمد أو التحريض على العنف الممنهج). ويُعوّض الحبس بغرامات مالية متدرجة، أو بإلزام المؤسسات بتصحيح الخطأ أو تقديم توضيح علني.
هذا التوجه يُعتبر خطوة إيجابية في اتجاه تخفيف التوتر بين الصحافة والعدالة، وتحقيق عدالة متوازنة لا تكمم الأفواه، ولكن لا تتسامح أيضًا مع التجاوزات المهنية.
الحذر من التأويلات وسوء التطبيق
رغم الإيجابيات، تحذر بعض الهيئات المهنية من خطورة التأويل الفضفاض لبعض بنود القانون، خصوصًا تلك المتعلقة بالأمن العام أو النظام العام. فهذه المفاهيم قابلة للتأويل وقد تُستعمل – إن لم يكن هناك وعي قانوني – لتقييد الصحافة بدل حمايتها.
كذلك، يطرح موضوع التطبيق في الجهات تحديًا إضافيًا، حيث يعاني العديد من الصحافيين في المناطق البعيدة من غياب الدعم القانوني والنقابي الكافي، مما يجعلهم عرضة للابتزاز أو للعنف الرمزي والمادي.
و يُعدّ مشروع القانون 25.26 محاولة جادة لإعادة الاعتبار لمهنة الصحافة في المغرب. فهو يكرّس الحريات، ويضع إطارًا للواجبات، ويطمح لإعادة بناء جسور الثقة بين الإعلام والجمهور.
لكن نجاحه الحقيقي لا يُقاس بنصوصه، بل بمدى تفعيلها على أرض الواقع، وباستعداد الدولة والمجتمع والصحافيين أنفسهم للاحترام المتبادل والالتزام الأخلاقي. فالإعلام القوي ليس هو الإعلام المُطبّل، ولا الإعلام المُتجنّي، بل الإعلام الذي يُمارس حريته بوعي، ويُدافع عن قيمه بشجاعة، دون أن يُفرّط في مهنيته.