حياتنا

من فاكهة تعكس سخاء الأرض إلى سلعة ترف : غلاء "الهندية" يكشف أزمات السياسة الفلاحية في المغرب


لم تكن "الهندية"، أو التين الشوكي، في يوم من الأيام سلعة تُقاس بالكيلوغرام وتُساوم في الأسواق. بل كانت عنوانا لكرم الأرض وكرم الناس. فقبل سنوات قليلة، كان من الطبيعي أن تحمل الجدة عصاها وتتجه صوب حافة الحقول، تقطف ما تيسر من الثمار وتعود محملة بما يكفي لتوزعه على الجيران وأطفال الحي دون أن تطلب مقابلاً. كان المشهد عاديا، يعكس علاقة مجتمعية تقوم على التشارك والتوازن بين الإنسان وأرضه.



لكن هذا المشهد، الذي يشبه الحكايات، صار اليوم جزءا من الماضي،  في زمن "المخططات الكبرى" والسياسات الفلاحية التي وُعد فيها المواطن بالاكتفاء الغذائي، أصبحت الهندية نفسها تُباع بأسعار فلكية تتجاوز 60 درهما للكيلوغرام الواحد في بعض الأسواق، متفوقة على فواكه مستوردة وحتى منتجات موسمية كانت تُصنف ضمن السلع الراقية.
 

التحول لم يكن ثمرة مجهود فلاحي أو تطوير في الجودة أو الإنتاج. لم يخضع التين الشوكي لتحويل صناعي ولم يُسوّق في علب فاخرة. بل إن هذا الارتفاع الجنوني في الأسعار جاء بفعل النذرة: مرض القرمزية الفتاك بالصبار، غياب التدخلات العمومية الكفيلة بالحد من انتشاره، وترك الفلاحين الصغار لمصيرهم في مواجهة فقدان محاصيلهم ومصدر رزقهم الوحيد.
 

في هذا السياق، تُطرح الأسئلة بحدة. أين ذهبت حقول الصبار التي كانت تملأ الجبال والوديان؟ ولماذا عجزت الدولة عن احتواء المرض في بدايته؟ وكيف تحوّل منتج لا يحتاج إلى سقيا ولا عناية إلى فاكهة نخبوية لا يقدر عليها إلا القادرون؟ الأجوبة لا تقود سوى إلى نقطة واحدة: فشل السياسات العمومية في حماية الثروات الطبيعية، وفِي مقدمتها الفلاحة الاجتماعية التي تم إقصاؤها لصالح مشاريع تصديرية نخبوية.
 

الهندية، في هذا السياق، لم تعد فاكهة. أصبحت مرآة تعكس هشاشة المخطط الأخضر الذي صُمّم من فوق، دون استحضار لواقع الفلاح الصغير أو للثقافة الغذائية الشعبية. والمفارقة أن الرجل الذي تولى وزارة الفلاحة طيلة أكثر من عقد، عزيز أخنوش، بات اليوم رئيسا للحكومة، بينما يواجه المواطن المغربي موجات غلاء غير مسبوقة تمس أساسيات العيش اليومي، بما فيها فاكهة كان يُنظر إليها كحق طبيعي لا سلعة.
 

إن قصة "الهندية" ليست مجرد حكاية عن فاكهة موسمية، بل تعبير صادم عن مسار تسليع كل ما له علاقة بالهوية الغذائية للمغاربة. فاكهة الجود والبركة تحوّلت إلى منتج رأسمالي، وفضاء المجانية الذي مثّلته الحقول المفتوحة صار اليوم يُغلق بسياج السوق ومنطق الربح.
 

ما نراه إذن ليس ارتفاعا عاديا في الأسعار، بل انعكاس لانهيار نموذج فلاحي لم يحقق الرفاه ولا السيادة الغذائية. والأدهى أن هذا الانهيار يطال رموزا ذات حمولة ثقافية وشعبية، كالهندية، لتصبح في نهاية المطاف ضحية إضافية لسياسات الفوق التي لم تُفلح في ترجمة وعودها إلى واقع يشعر به الناس


الهندية، التين الشوكي، التراث الثقافي المغربي، الفلاحة الاجتماعية، الهوية الوطنية، التحولات الاقتصادية


Aicha Bouskine
عائشة بوسكين صحافية خريجة المعهد العالي للإعلام والاتصال، باحثة في العلوم السياسية وصانعة محتوى في إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الثلاثاء 8 يوليوز 2025

              

آخر الأخبار | حياتنا | صحتنا | فن وفكر | لوديجي ستوديو | كتاب الرأي | هي أخواتها | تكنو لايف | بلاغ صحفي | لوديجي ميديا [L'ODJ Média] | المجلة الأسبوعية لويكاند | اقتصاديات | كلاكسون


Bannière Réseaux Sociaux

Bannière Lodj DJ
















تحميل مجلة لويكاند







Buy cheap website traffic