لقد كانت فصول المحاكمة صادمة، ليس فقط بسبب عدد الضحايا – قرابة 300 طفل – وإنما أيضًا لبشاعة الأفعال المرتكبة والطريقة الممنهجة التي نفذ بها الجراح جرائمه. فمنذ عام 1989 وحتى 2014، ارتكب لو سكوارنيك 111 حالة اغتصاب و189 اعتداءً جنسيًا، معظمها داخل أروقة المستشفيات والعيادات التي كان يزاول فيها مهنته. والأسوأ من ذلك أن 256 من ضحاياه كانوا دون سن الخامسة عشرة، ما يجعل من هذه الجرائم جريمة كبرى مزدوجة: مهنية وإنسانية.
القضية تطرح إشكاليات عميقة تتجاوز المحاكمة، فالصمت الطويل الذي لفّ الجرائم، وغياب أي ردع أو تحقيقات داخلية لسنوات، يكشفان عن خلل بنيوي في منظومة الحماية داخل المؤسسات الطبية. كيف يمكن لطبيب أن يكرر نفس الجرائم طوال 25 عامًا دون أن يُكتشف؟ ولماذا لم تتدخل الهيئات الرقابية المهنية أو المستشفيات التي اشتغل فيها؟ هذه الأسئلة تقض مضاجع عائلات الضحايا والرأي العام على السواء.
في قاعة المحكمة، وقف الجراح السابق متحدثًا بنبرة ندمية، معترفًا بجرائمه، ومطالبًا "بحقّ أن يصبح إنسانًا أفضل". غير أن كلماته بدت متأخرة أمام حجم الألم الذي ألحقه بمئات الأطفال الذين وثقوا به وهم في أقصى حالات الضعف. صحيح أنه لم يطلب التخفيف، لكن اعترافه جاء فقط بعد أن تكشّفت وقائع القضية، ما يجعل مصداقيته موضع تساؤل عند كثير من المتابعين.
ورغم المطالبة بالعقوبة القصوى، إلا أن المحكمة قررت الاكتفاء بعشرين سنة دون فرض تدابير الحبس الأمني الكامل، معتبرة سن المتهم وتعاونه مع التحقيق عوامل تخفيفية. وهو ما أثار بدوره جدلًا واسعًا في الأوساط الحقوقية، حيث اعتبر كثيرون أن العدالة كانت أقل صرامة مما ينبغي، في جريمة بهذا الحجم وهذا الامتداد الزمني.
أما محاميه، فحاول تصوير موكله كإنسان نادم، يسعى للاعتراف والتكفير. وهو خطاب قانوني كلاسيكي لا يقلل من فداحة الجرائم المرتكبة، لكنه يسعى على الأقل لإنقاذ ما تبقى من صورة رجل سقط في قاع الانحراف المهني والأخلاقي.
قضية لو سكوارنيك لم تنتهِ بالحكم، بل تفتح ملفًا أكبر: من يراقب الأطباء؟ ومن يحمي المرضى القاصرين من الاعتداء حين تكون غرفة العلاج هي مسرح الجريمة؟ لقد آن الأوان لإعادة النظر في آليات المراقبة المهنية، ووضع بروتوكولات أكثر صرامة لحماية الفئات الهشة، لأن صمت المؤسسات يُعد تواطؤًا، ولو بالصمت