كتاب الرأي

التحرش الجنسي داخل المعامل: عنف صامت في حق المرأة العاملة الغير متمدرسة


في ظل التحولات الاقتصادية والاجتماعية المتسارعة التي يعرفها المغرب، أصبحت فئة النساء العاملات في المعامل تمثل إحدى أكثر الفئات عرضة للهشاشة النفسية الاجتماعية. فاشتغال المرأة في فضاءات صناعية يغلب عليها الاستغلال وضعف التأطير وشروط العمل القاسية، يجعلها في موقع هش يكرس قابليتها للتعرض للعنف، وعلى رأسه التحرش الجنسي.



من منظور علم النفس الاجتماعي، لا يمكن اختزال التحرش في سلوك فردي منحرف، بل يجب قراءته كممارسة ممنهجة ناتجة عن ديناميات السلطة، والتراتبية المهنية، والتنشئة الاجتماعية ذات الطابع الذكوري، التي تتسامح مع تسليع الجسد الأنثوي واستباحته في فضاء العمل. وتزداد خطورة هذا الواقع في غياب آليات فعالة للإنصاف والمرافعة، مما يؤدي إلى تطبيع الظاهرة وتكريس الصمت والخوف لدى الضحايا.

تظهر الشهادات والتقارير الميدانية أن العديد من العاملات يتعرضن لأشكال متعددة من التحرش، سواء من خلال الألفاظ السوقية، أو الابتزاز المباشر، وكل ذلك يتم في سياق هشاشة اقتصادية تمنع المرأة من اتخاذ موقف دفاعي خوفا من فقدان مصدر رزقها. هذه الوضعية تنتج ما يسميه علم النفس الاجتماعي بـ"العجز المكتسب"، حيث تتقلص قدرة الضحية على المقاومة والتبليغ، ويترسخ لديها شعور بالإذلال واللامساواة.

تترتب عن هذه الممارسات تبعات نفسية عميقة قد تصل إلى الاكتئاب، اضطرابات النوم، فقدان الثقة في الذات، وصعوبات في الانخراط المهني والاجتماعي. كما أن استمرار التعرض للتحرش يضعف الهوية المهنية للعاملات، ويؤدي إلى انسحاب نفسي اجتماعي خطير، مما يضر بالإنتاجية من جهة، وبالكرامة الإنسانية من جهة أخرى.

الصمت المحيط بهذه الظاهرة لا يعكس فقط الخوف من التبليغ، بل هو نتاج ثقافة لوم الضحية، وغياب فضاءات آمنة للاستماع والتكفل. كما أن التواطؤ الصامت لبعض المشرفين، وضعف الرقابة القانونية والمهنية، يعزز الإحساس بالحصانة لدى المتحرش، ويقوي سطوته على ضحيته.

لمواجهة هذه الظاهرة البنيوية، لا يكفي الاقتصار على القوانين أو الحملات الظرفية، بل يتطلب الأمر إعادة بناء الثقافة المهنية من أساسها، وتعميم التربية على المساواة داخل بيئات العمل. كما يجب إحداث خلايا استماع وتوجيه نفسي داخل الوحدات الصناعية، وتأطير العاملات نفسيا وقانونيا حول سبل الحماية والتبليغ، مع تدريب الإدارات والمشرفين على أسس الوقاية من العنف القائم على النوع.

إن التحرش الجنسي داخل المعامل ليس مجرد انتهاك فردي، بل هو عنوان لفشلنا المجتمعي في ضمان بيئة عمل آمنة وعادلة للمرأة. ومن منطلق علم النفس الاجتماعي، فإن أي تدخل فعال يجب أن يدمج.

Sara Elboufi
سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة مقدمة البرنامج الإخباري "صدى الصحف" لجريدة إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الثلاثاء 6 ماي 2025

              

Bannière Réseaux Sociaux

Bannière Lodj DJ















تحميل مجلة لويكاند






Buy cheap website traffic