ويعكس هذا الهجوم تصاعد الدور الاستخباراتي في الحرب، إذ نُسب إلى جهاز SBU بدلاً من القوات المسلحة الأوكرانية النظامية، مما يدل على أن الحرب باتت تُدار على نحو متزايد عبر أدوات خفية تجمع بين التقنية العالية، والتخطيط المعمّق، والتنسيق مع جهات دولية، يبدو أن الاستخبارات الأوكرانية استطاعت بناء شبكة معلومات دقيقة عن البنية التحتية الدفاعية الروسية، وهو ما مكّنها من شن ضربات فعالة دون أن يتم اعتراضها.
غياب أي رد رسمي من موسكو حتى الآن يعزز من أهمية العملية. فصمت وزارة الدفاع الروسية، رغم ضخامة الهجوم، يشير إلى ارتباك داخلي ومحاولة لامتصاص صدمة ضربة معنوية وعسكرية موجعة. ويخشى الكرملين، كما يبدو، من أن يؤدي الاعتراف بالفشل إلى إضعاف الروح المعنوية الداخلية وزيادة الضغوط الدولية.
أما من حيث الأثر الاستراتيجي، فمن المتوقع أن تنعكس العملية على المدى القصير في تراجع قدرة روسيا على تنفيذ ضربات استراتيجية واسعة ضد أهداف داخل أوكرانيا، خصوصاً على مستوى البنية التحتية الحيوية. أما على المدى المتوسط، فستُضطر موسكو إلى إعادة توزيع طائراتها وقواعدها الجوية، مما يخلق عبئاً لوجستياً إضافياً ويكشف ضعفاً في قدرتها على حماية عمقها الجغرافي. وعلى المدى الطويل، فإن العقيدة الدفاعية الروسية برمتها أصبحت على المحك، بعدما ظهر أن خطوطها الخلفية لم تعد بمنأى عن الهجمات.
أوكرانيا، من خلال هذه الضربة، لا تبعث برسالة عسكرية فحسب، بل تستعرض تحولاً جذرياً في استراتيجيتها: الانتقال من موقع الدفاع إلى الهجوم الذكي، باستخدام أدوات منخفضة الكلفة ومرتفعة التأثير. كما تؤكد العملية أن ساحة المعركة باتت تتجاوز حدود الجغرافيا التقليدية، لتدخل زمن «الحرب السيبرية-المسيّرة»، حيث تتراجع أهمية الجيوش النظامية أمام مرونة وحدات الاستخبارات والابتكار التكنولوجي.
في نهاية المطاف، فإن هذا الهجوم قد يؤسس لمرحلة جديدة من الصراع، تتسم بمزيد من الغموض التكتيكي والتصعيد غير المتكافئ. وإذا لم تُفلح موسكو في استعادة المبادرة بسرعة، فقد تجد نفسها مضطرة لتغيير كامل في نمط إدارتها للحرب، من الدفاع الصلب إلى الحذر المستمر، في وقت تتقلص فيه الهوامش الآمنة داخل حدودها.