في معرض ردّه على سؤال صحفي بشأن السماح لعائلات العسكريين الأميركيين بمغادرة المنطقة، اكتفى ترامب بجملة مقتضبة: "سترون"، مثيرًا بذلك موجة من التساؤلات حول ما تخطط له واشنطن أو ما تتوقع حدوثه قريبًا. هذا الغموض المتعمّد ليس جديدًا على خطاب ترامب، لكنه في هذا السياق يحمل دلالة خاصة، خصوصًا مع تسارع مؤشرات الانفجار المحتمل في الساحة الإقليمية.
مصادر دبلوماسية أميركية أوضحت لاحقًا أن هذا التحرك نابع من "تقييمات أمنية دورية" تجريها الخارجية الأميركية لضمان سلامة طواقمها في البعثات الدبلوماسية، غير أن الرفض الصريح لتقديم أي تفاصيل حول ماهية هذه التقييمات أو المخاطر المحدقة يثير شبهة أن واشنطن تملك معطيات استخباراتية تفوق ما يتم الإعلان عنه رسميًا. وإذا ما أضفنا إلى ذلك التهديدات الإيرانية الأخيرة باستهداف القواعد الأميركية في حال اندلاع نزاع عسكري، تتضح ملامح القلق الذي يدفع واشنطن إلى إعادة تموضع تكتيكي لموظفيها في المنطقة.
هذه القرارات لا يمكن فصلها عن سياق إقليمي مشتعل، حيث تتحرك طهران بحذر ، مستعرضة نفوذها عبر شبكة من الحلفاء المحليين المنتشرين في العراق وسوريا واليمن ولبنان. وفي المقابل، تبدو الولايات المتحدة، رغم قوتها العسكرية، كمن يعيد تقييم خياراته الاستراتيجية ويتهيأ لاحتمالات التصعيد، دون أن يعلن ذلك صراحة.
واللافت أن قرار تقليص الوجود الدبلوماسي في بغداد تحديدًا، يعيد إلى الواجهة هشاشة الدولة العراقية وقدرتها على احتواء النفوذ الإيراني، كما يكشف عن حدود النفوذ الأميركي في قلب دولة كانت قبل سنوات خاضعة بالكامل لواشنطن بعد الغزو.
إن خطوة سحب الموظفين – وإن لم ترقَ إلى مستوى الإجلاء الكامل – تعكس قلقًا مزدوجًا: من جهة، القلق من تحول السفارات إلى أهداف مباشرة في أي تصعيد عسكري، ومن جهة أخرى، الخشية من انهيار سريع للأمن في بعض العواصم العربية حال اندلاع شرارة حرب إقليمية شاملة. وهو ما يفسّر ربما تركيز الإدارة الأميركية على التحركات الوقائية بدل المواجهة المباشرة.