حياتنا

ظاهرة التسول: أزمة اجتماعية تحتاج إلى حلول شاملة


التسول، كظاهرة اجتماعية، بات يشكل تحديًا كبيرًا في العديد من المدن المغربية، حيث لا يقتصر الأمر على التشويه البصري للفضاءات العامة، بل يتعداه إلى التأثير السلبي على النسيج الاجتماعي والاقتصادي، وحتى الأمني. هذه الظاهرة التي تتفاقم بشكل مقلق، تحتاج إلى وقفة حقيقية من المجتمع والدولة على حد سواء، من أجل فهم أبعادها ومعالجتها بطرق فعّالة ومستدامة.



التسول بين الاحتياج والاستغلال
في كثير من الأحيان، يُنظر إلى التسول كوسيلة يلجأ إليها الأفراد في مواجهة الفقر أو الحاجة الماسة. ومع ذلك، ما يثير القلق هو تحول هذه الظاهرة إلى نشاط "منظم" يعتمد على أساليب ممنهجة لاستدرار عطف الناس. في بعض الحالات، يتم استغلال الأطفال والنساء بشكل ممنهج، حيث يُوظفون في مشاهد مؤثرة تُعد بعناية لاستدرار المال. هذا الاستغلال يطرح تساؤلات أخلاقية واجتماعية حول من يقف وراء هذه العمليات، وهل نحن أمام حالات فردية أم شبكات منظمة تستغل الهشاشة الاجتماعية لتحقيق أرباح غير مشروعة.

التأثير على النسيج الاجتماعي
ظاهرة التسول لا تؤثر فقط على صورة المدن المغربية أمام سكانها وزوارها، بل تحمل في طياتها تهديدًا للنسيج الاجتماعي. عندما تتحول الفضاءات العامة إلى مساحات للتسول، يصبح الإحساس بالأمان الاجتماعي مهددًا، خاصة مع انتشار التسول بين الأطفال والمراهقين. هذا الوضع يعزز الشعور بعدم الاستقرار ويُظهر فجوة في التدبير الاجتماعي.

التسول والسياحة: تشويه الصورة
المغرب، كوجهة سياحية عالمية، يعتمد بشكل كبير على تقديم صورة إيجابية لمدنه وفضاءاته العامة. ومع ذلك، فإن استفحال ظاهرة التسول يؤثر بشكل مباشر على هذه الصورة. السياح، سواء كانوا مغاربة أو أجانب، يجدون أنفسهم في مواجهة مشاهد التسول التي تحمل أحيانًا طابعًا استفزازيًا أو حتى عدوانيًا. هذا التأثير السلبي لا يقتصر على الانطباع الشخصي للسياح، بل يمتد إلى التأثير على الاقتصاد المحلي الذي يعتمد على قطاع السياحة.

الأطفال في دائرة الاستغلال
من أكثر الجوانب المقلقة في ظاهرة التسول هو استغلال الأطفال، سواء كانوا أبناء المتسولين أم أطفالًا يتم "استئجارهم" لهذا الغرض. هذا الاستغلال لا يقتصر على الجانب الاقتصادي، بل يمتد إلى التأثير النفسي والاجتماعي على هؤلاء الأطفال الذين يُحرمون من حقوقهم الأساسية في التعليم والرعاية. علاوة على ذلك، فإن سلوك المتسولين تجاه الأطفال، الذي يتسم أحيانًا بالقسوة والعنف، يكشف عن غياب أي رابطة إنسانية أو أبوية، مما يطرح تساؤلات حول طبيعة هذه العلاقات.

الحلول الممكنة
معالجة ظاهرة التسول تتطلب تدخلًا شاملاً يشمل عدة جوانب:

التدخل القانوني: تعزيز القوانين التي تجرّم استغلال الأطفال والنساء في التسول، مع فرض عقوبات صارمة على الشبكات المنظمة التي تقف وراء هذه الظاهرة.

الدعم الاجتماعي: توفير برامج دعم اجتماعي واقتصادي للفئات الهشة، بما يتيح لهم فرصًا بديلة لتحسين وضعهم المعيشي بعيدًا عن التسول.

التوعية المجتمعية: إطلاق حملات توعية تهدف إلى تغيير نظرة المجتمع للتسول، من مجرد "عطف" إلى إدراك خطورة الاستغلال الذي يكمن وراءه.

تعزيز الرقابة: تكثيف الحملات الأمنية لمراقبة الفضاءات العامة والحد من استفحال الظاهرة، مع التركيز على المناطق السياحية.

دعم التعليم والرعاية: الاستثمار في تعليم الأطفال ورعايتهم، لضمان عدم انجرارهم إلى دائرة التسول والاستغلال.

ظاهرة التسول، رغم تعقيداتها، ليست مستعصية على الحل. من خلال تضافر الجهود بين الدولة والمجتمع المدني، يمكن مواجهة هذه الظاهرة بشكل فعّال، وتحويل الفضاءات العامة إلى أماكن تعكس القيم الإنسانية والكرامة الاجتماعية. معالجة هذه الأزمة ليست فقط واجبًا اجتماعيًا، بل ضرورة للحفاظ على صورة المدن المغربية كوجهات سياحية وثقافية عالمية، وضمان مستقبل أفضل للأطفال والفئات الهشة.

Sara Elboufi
سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة مقدمة البرنامج الإخباري "صدى الصحف" لجريدة إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الجمعة 8 أغسطس 2025

              

آخر الأخبار | حياتنا | صحتنا | فن وفكر | لوديجي ستوديو | كتاب الرأي | هي أخواتها | تكنو لايف | بلاغ صحفي | لوديجي ميديا [L'ODJ Média] | المجلة الأسبوعية لويكاند | اقتصاديات | كلاكسون


Bannière Réseaux Sociaux

Bannière Lodj DJ
















تحميل مجلة لويكاند







Buy cheap website traffic