بقلم : عدنان بنشقرون
بيان وزارة الخارجية الجزائرية، الصادر في عجلة من أمره، بدا وكأنه تصحيح دفاعي للموقف. رسميًا، كان الهدف تذكير الرأي العام بأن المادة 32 من الدستور الجزائري، التي تؤكد تضامن البلاد مع "جميع الشعوب المكافحة من أجل تقرير مصيرها"، تنطبق فقط على قضايا خارجية مختارة بعناية. بمعنى آخر: تقرير المصير قيمة نبيلة، شرط ألا تُطبق على الجزائريين أنفسهم.
هذا المنطق المتغير بحسب السياق ليس جديدًا، لكنه نادرًا ما يُعلن بتوتر واضح كهذا. التاريخ هنا يظهر أن السياسة العدوانية غالبًا ما تنقلب على أصحابها: عندما يُقدّس مبدأ على المستوى الدولي، قد ينقلب هذا المبدأ يومًا ما ضد من أعلنه.
تقرير المصير الانتقائي والتناقضات الدستورية
الحجة الأساسية للجزائر في جملة واحدة: التضامن الدستوري "موجّه أساسًا" لدعم الشعب الصحراوي، ولا يمكن أن يُطبّق على وضع داخلي. بمعنى آخر، نعم لتقرير المصير، لكن فقط في الخارج، وبشكل حصري خارج الحدود. تفسير قد يثير ابتسامة أي طالب في القانون الدستوري، لو لم يكن الموقف بهذه الأهمية السياسية.
في أي ديمقراطية مستقرة، كان مثل هذا النقاش سيُعرض على البرلمان أو على خبراء القانون، أو حتى يُناقش في حوار عام مفتوح. هنا، تتدخل وزارة الخارجية لتفسير الأمور وإغلاق النقاش. وكأن الدبلوماسية حلت محل القانون، والسياسة الإعلامية حلت محل التفكير المؤسسي. هذا التحول يكشف عن حالة توتر أعمق: النظام لم يعد يحكم بهدوء، بل يحاول سد الثغرات على عجل.
الإشارة المستمرة إلى المغرب في البيان ليست عشوائية. تتكرر كلمات مثل: "الاحتلال المغربي"، "الأراضي المحتلة"، "محاربة الاحتلال". بالاستمرار في توجيه الانتباه نحو الجار، يبدو أن الجزائر تبحث عن متنفس لتجنب مواجهة الانقسامات الداخلية. وهي وصفة قديمة: تحديد خصم خارجي للحفاظ على وحدة الداخل. لكن هذه المرة، تبدو الخدعة مستهلكة.
القبائل المستقلة: رمز سياسي وصدمة دبلوماسية
إعلان استقلال القبائل، الذي جرى في باريس يوم 14 ديسمبر 2025، لا يحظى بأي اعتراف قانوني دولي حتى الآن. لكن التقليل من أهميته على أنه مجرد حركة رمزية سيكون خطأ تحليليًا. ففي الدبلوماسية، الرموز غالبًا ما تسبق القانون، والرمز هنا قوي جدًا.
لقد نجحت "حركة تقرير المصير للقبائلية" في تنظيم الحدث بشكل سياسي محكم. الإعلان عن الاحتفال في فرساي، ثم مواجهة منع من السلطات، ثم نقل الحدث إلى قلب باريس قرب أماكن رمزية، كان جزءًا من استراتيجية محسوبة. الرسالة كانت واضحة: تعميم القضية القبائلية على الساحة الدولية، وإخراجها من الإطار الجزائري وحده.
في المقابل، بدت ردود الجزائر فوضوية. حاول النظام اللحاق بالحدث دون أن يستعيد السيطرة على السرد. وفي الدبلوماسية، فقدان السيطرة على الرواية غالبًا ما يكون أخطر من أي خسارة قانونية. كما قال دبلوماسي مغاربي سابق في حديث غير رسمي: "السياسة الخارجية أولًا وأخيرًا هي قصة يُصدّقها الآخرون. وعندما تتصدع هذه القصة، يتبعها كل شيء آخر."
دبلوماسية محاصرة بهوس دائم
الملاحظة صادمة: الدبلوماسية الجزائرية تبدو أسيرة هوسها المعادي للمغرب، الذي أصبح يؤثر حتى على تفسير دستورها الخاص. كل شيء يُفكر فيه بالانعكاس على الرباط، أحيانًا على حساب رؤية استراتيجية مستقلة.
هذا الموقف يُضعف الرسالة الجزائرية على الساحة الدولية. كيف يمكن الدفاع بمصداقية عن مبدأ عالمي إذا قُيد تطبيقه بهذه الصراحة؟ وكيف يمكن إقناع الآخرين بأن التضامن مع الشعوب حقيقي، وليس مجرد أداة سياسية؟ التاريخ الحديث يُظهر أن الخطابات الجامدة سرعان ما تنقلب على أصحابها.
خوف حقيقي من التفتت الداخلي
من غير المنصف إنكار المخاوف المشروعة لدولة ما من خطر التفتت الإقليمي. الجزائر، مثل العديد من الدول ما بعد الاستعمار، تأسست عبر صراعات مريرة حول رواية وحدوية نشأت من حرب الاستقلال. أي تحدٍ لهذه الرواية يُعتبر تهديدًا وجوديًا.
من هذا المنطلق، فإن رد الجزائر يعكس منطقًا كلاسيكيًا في الدفاع عن السيادة. قليل من الدول ستقبل بهدوء إعلان استقلال أحادي الجانب، حتى لو كان رمزيًا. الاختلاف هنا يكمن في تناسق الخطاب: لا يمكن الدفاع عن تقرير المصير عالميًا، مع استثناء الداخل الجزائري، دون التعرض لتناقضات كبيرة.
بالنسبة للمغرب، كمراقب يقظ، الدرس مزدوج
الدروس مزدوجة: أولًا، الدبلوماسية الحديثة تُبنى على الرموز بقدر ما تُبنى على القانون. ثانيًا، السياسة الخارجية المتماسكة ترتبط دائمًا بمبادئ تُطبق بلا ازدواجية.
بعيدًا عن أي فرح فارغ، هذه الواقعة تدعو لتفكير إقليمي أوسع
لا يمكن للمغرب الكبير التقدم إلا إذا واجه تضارباته الداخلية بوضوح، دون إسقاطها باستمرار على الجار. التاريخ، كما هو، يمضي قدمًا بغض النظر عن الشعارات.
محاولة إخماد قضية القبائل بخطاب دفاعي ووسواس معادي للمغرب لم يسلط الضوء إلا على تناقضات الدبلوماسية الجزائرية نفسها
التاريخ نادرًا ما ينتقم بصخب؛ بل يفضّل السخرية الخفية. وأحيانًا، يكفي بيان واحد ليظهر أن مبدأ طالما استُغِلّ لأغراض سياسية يطالب في النهاية بتطبيقه المتسق
الرئيسية















