بعيداً عن المعطى العسكري الظاهر، تعكس هذه الضربة إعادة تعريف لقواعد الاشتباك الإقليمية. فالحديث الرسمي الإسرائيلي عن “بداية عملية مطولة” يظهر أننا لسنا أمام ضربة تكتيكية عابرة، بل أمام مسار تصعيدي مرشح لأن يتحول إلى مواجهة مفتوحة، ولو على شكل حروب بالوكالة.
الضربة الجوية على منشأة نطنز، المركز الحساس لبرنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني، تحمل في طياتها رسائل مباشرة إلى القيادة الإيرانية والدول المجاورة، فإسرائيل لم تكتف بالردع، بل تبادر إلى تقويض القدرات النووية الإيرانية ميدانياً، على قاعدة أن التهديد النووي لم يعد نظرياً، بل آن أوان اجتثاثه من جذوره.
في المقابل، جميع المؤشرات تفيد بأن طهران لن تتجاهل هذا التطور،فقد أعلنت إسرائيل حالة الطوارئ تحسباً لهجوم صاروخي إيراني، كما بدأت بإرسال وحداتها الدفاعية لاعتراض الطائرات المسيّرة القادمة من الأراضي الإيرانية، في إشارة إلى أن دوائر القرار في تل أبيب تتوقع رداً مركباً، قد لا يكون فورياً لكنه سيكون مدروساً.
الدلالة الإقليمية للحادث لا تقل أهمية عن بعده الثنائي. فاعتراض الجيش الأردني لطائرات وصواريخ في مجاله الجوي يبرز اتساع نطاق التأثير الجغرافي للحرب الظلية بين الخصمين، وتحول الدول المجاورة إلى ساحات محتملة أو حتى ضحية جانبية في هذا التصعيد.
منشآت إيران النووية لم تُستهدف هكذا علناً منذ سنوات، ما يعزز فرضية أن تل أبيب تعتبر أن الخطوط الحمراء تم تجاوزها، وأن الرد الدبلوماسي أو الأمني السري لم يعد مجدياً. كما أن هذه الضربة تأتي في ظل تعثر المفاوضات الدولية بشأن الملف النووي، مما يشير إلى أن إسرائيل قررت التحرك المنفرد خارج الشرعية الدولية، ولو مؤقتاً.
تداعيات هذا الهجوم لن تقف عند حدود طهران وتل أبيب. أي رد إيراني قد يمر عبر وكلاء طهران في المنطقة، ما ينذر باحتمال انزلاق لبنان، سوريا، العراق أو حتى اليمن إلى حالة استنفار. وفي ظل هذا السيناريو، تبدو المنطقة مقبلة على واحدة من أخطر مراحلها منذ سنوات.