أخبار بلا حدود

بين الواقعية السياسية والضغط الدولي: تفكيك خطاب الوساطة الجزائرية في ملف الصحراء


تتبدل آليات حلّ النزاعات الإقليمية بتبدل الزمن وتغيّر السياقات، إلى أن تبلغ ذروتها أو تخمد تحت وطأة التحولات الدولية التي تفرض إقرار السلام، ولو بالقوة. وفي هذا الإطار، برزت قضية الصحراء مجدداً كأولوية جوهرية ضمن الإستراتيجية الأميركية في شمال إفريقيا منذ انتخاب الرئيس دونالد ترامب، وهو توجه يستمر اليوم بصيغ مختلفة، ضمن رؤية تسعى إلى إعادة ترتيب التوازنات الإقليمية وفرض مسار تهدئة مستدامة.



ليس المطلوب اليوم، وفق منطق اللحظة الجيوسياسية، أن يسود الودّ الرومانسي بين الرباط والجزائر، بل أن يسود الوعي العاقل بزمن المفاوضات، واستحضار قرار مجلس الأمن باعتباره الإطار الأممي الوحيد القادر على رعاية مسار إعادة تدوير عجلة الحوار. فالعالم يعيش ظرفية تلزم الدول بالانخراط في السلام كخيار مُحتّم، خصوصاً بعد فشل مشاريع التكامل المغاربي في رأب الصدع واحتضان الحوار الثنائي.

إن استيعاب مفهوم “سلام المضطر” يمكّن المراقب من فهم إعلان وزير الخارجية الجزائري عن استعداد بلاده للوساطة بين المغرب وجبهة البوليساريو. فهذا الإعلان يحمل في طياته تناقضاً صارخاً: كيف يمكن لطرف أعلن قطيعته الدبلوماسية من طرف واحد مع المغرب، أن يعرض لعب دور الوسيط؟ إن مجرد طرح هذه الفكرة يكشف عطباً في المقاربة الجزائرية ومحاولة للعودة إلى الواجهة عبر خطاب دبلوماسي لا يتماشى مع الواقع.

ولقد عجزت العلاقات المغربية–الجزائرية عن تدبير الخلافات القديمة، ولم تستطع معاهدة مراكش ولا مؤسسات اتحاد المغرب العربي إنقاذ الإقليم من دورة الانقسام. تراكم الفشل تلو الآخر، لأسباب ذاتية وموضوعية، مما سمح بتمدد فوضى إقليمية تستغلها شبكات مصالح عابرة للحدود، في ظل غياب رؤية مشتركة ترمم المصير المغاربي المهدد.

وبات السلام اليوم توجهاً أميركياً ضاغطاً، يعيد تشكيل خرائط الاستقرار في عدد من مناطق العالم، ومنها شمال إفريقيا. وهذا يستدعي مفاوضات مباشرة بين الجزائر والمغرب، توقف نزيف الخلاف وتمنع المنطقة من الانزلاق نحو معارك بالوكالة أو اضطرابات سياسية دامية.

ورغم قتامة الماضي وثقل الإرث الدبلوماسي، تؤكد الوقائع أن الجزائر طرف مباشر في الحل، وأن أي تسوية سياسية لن تكون خارج إطار مشاركتها في مسار واضح يقود نحو تثبيت مقترح الحكم الذاتي كحل براغماتي قابل للتنزيل.

إن حديث أحمد عطاف عن وساطة جزائرية في ملف الصحراء يندرج ضمن “ديبلوماسية اللامعقول”، لأن الوساطة تتطلب أولاً المصالحة، وثانياً الحياد، وثالثاً القدرة على جمع الأطراف. وكل هذه الشروط غائبة. بل إن موقف الجزائر من قرارات دولية أخيرة، ومنها التصويت على القرار الأميركي المتعلق بغزة، يكشف تناقضاً بين الخطاب والممارسة وعدم قدرة على بلورة استراتيجية خارج منطق الهروب إلى الأمام.

إن تفكيك بدعة الوساطة الجزائرية يقتضي قراءة أعمق للسردية الإقليمية الكبرى: كيف سيكون شكل النظام المغاربي الجديد؟ وكيف يمكن تجاوز ثنائية الزعامة والزعامة المضادة؟ إن المنطقة تحتاج إلى تصحيح العمل الدبلوماسي الجزائري عبر الاعتراف بواقع “سلام المضطر”، وتجاوز مرحلة تصدير الأزمة وانتظار قرارات دولية قد تحسم مسارات لا ترغب فيها الجزائر.

إن ساعة السلام آتية إلى شمال إفريقيا، لا كخيار بل كضرورة تفرضها القوى الدولية. وسيجد الجميع نفسه، عاجلاً أم آجلاً، أمام طاولة واحدة في البيت الأبيض للتفاوض على اتفاق شامل يُنهي النزاع ويفتح صفحة جديدة. إن تملص الجزائر من مسؤولياتها لن يجلب إلا الخسارة، فيما يقود الحوار المباشر والمصالحة الواقعية إلى حماية أمن الإقليم واستقرار شعوبه.

Sara Elboufi
سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة مقدمة البرنامج الإخباري "صدى الصحف" لجريدة إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الاثنين 24 نوفمبر 2025

              

مختصرات آخر الأخبار | أخبار بلا حدود


Bannière Réseaux Sociaux

Bannière Lodj DJ

















LODJ24
آخر الأخبار
جاري تحميل الأخبار...
BREAKING NEWS
📰 Chargement des actualités...




ملحمة المذيعين وضيوفهم في استوديو
WhatsApp Image 2025-11-17 at 18.19.36 (1)
ملحمة المذيعين وضيوفهم في استوديو LODJ ميديا
3
WhatsApp Image 2025-11-11 at 14.31.33 (2)
WhatsApp Image 2025-11-17 at 18.19.35 (1)
ملحمة المذيعين وضيوفهم في استوديو
WhatsApp Image 2025-11-04 at 11.30.58 (8)
WhatsApp Image 2025-10-29 at 10.04.14 (3)
WhatsApp Image 2025-11-04 at 11.31.00 (1)
WhatsApp Image 2025-11-11 at 14.31.34 (1)
WhatsApp Image 2025-11-12 at 16.13.34 (2)
WhatsApp Image 2025-11-04 at 11.30.58 (4)
WhatsApp Image 2025-11-04 at 11.30.59 (9)
WhatsApp Image 2025-11-04 at 11.30.59 (8)
ملحمة المذيعين وضيوفهم في استوديو LODJ ميديا
WhatsApp Image 2025-11-04 at 11.30.59
ملحمة المذيعين وضيوفهم في استوديو LODJ ميديا
4
WhatsApp Image 2025-10-29 at 10.04.14 (6)
WhatsApp Image 2025-11-12 at 16.13.36 (1)
WhatsApp Image 2025-10-29 at 10.04.12 (3)
WhatsApp Image 2025-10-29 at 10.04.14 (2)
WhatsApp Image 2025-11-12 at 16.13.34
WhatsApp Image 2025-11-04 at 11.30.59 (7)
WhatsApp Image 2025-11-17 at 18.19.36 (2)
ملحمة المذيعين وضيوفهم في استوديو LODJ ميديا
WhatsApp Image 2025-11-17 at 18.19.06
WhatsApp Image 2025-10-29 at 10.04.14 (4)
WhatsApp Image 2025-11-04 at 11.30.58 (7)
WhatsApp Image 2025-11-19 at 14.50.33 (3)
WhatsApp Image 2025-11-04 at 11.30.59 (6)
15
WhatsApp Image 2025-11-12 at 16.13.33 (1)
WhatsApp Image 2025-10-29 at 10.04.12 (2)
9
WhatsApp Image 2025-11-17 at 18.19.03




Buy cheap website traffic