وشرعت الوزارة، بالتوازي مع هذا التقدّم العلاجي، في تعزيز المقاربة الحقوقية التي تؤطر مكافحة السيدا، انسجامًا مع الاستراتيجية الوطنية الخاصة بحقوق الإنسان في ما يتعلق بفيروس نقص المناعة البشرية والسلّ والتهاب الكبد الفيروسي للفترة 2024-2030. وقد جاء ذلك خلال تخليد اليوم الوطني لمكافحة السيدا، الذي ترأسه وزير الصحة أمين التهراوي، مسلّطًا الضوء على أهمية الدمج بين الحد من المخاطر، والعلاج بالميثادون، والدعم النفسي والاجتماعي باعتبارها “توليفة رابحة”.
وتفاعلت الوزارة أيضًا مع التحديات المتعلقة بتعاطي المخدرات، إذ أظهرت البيانات أن المقاربة الوطنية أدت إلى خفض واضح في نسبة انتشار الفيروس بين متعاطي المخدرات بالحقن، منتقلة من 7.1% سنة 2017 إلى 5.3% سنة 2023. ويستند هذا التراجع إلى توسع خدمات الوقاية بنسبة 88% داخل هذه الفئة، وإلى رفع عدد الحقن المعقمة الموزعة إلى 104 حقن للشخص سنويًا، إضافة إلى القفزة الكبيرة في عدد المستفيدين من العلاج بالميثادون الذي بلغ 1836 شخصًا بحلول يناير 2025، مع نسبة احتفاظ بالعلاج وصلت إلى 86%.
وفي الوقت نفسه، أبرزت الأرقام الرسمية نجاحًا مهمًا في جبهة التشخيص، حيث ارتفعت نسبة المصابين الذين يعلمون بحالتهم من 49% سنة 2013 إلى 80% سنة 2024، فيما سجلت الإصابات الجديدة تراجعًا يناهز 22%. هذا التقدم لم يكن نتاج العمل الطبي فقط، بل جاء أيضًا بفضل اتساع دائرة الشركاء المؤسساتيين، من النيابة العامة والمجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى المديرية العامة للأمن الوطني والمجتمع المدني، وهو ما يعكس طبيعة المقاربة المتقاطعة التي تبنتها المملكة، والتي تقوم على الإنصاف وحقوق الإنسان وتضمن مجانية الكشف والعلاج داخل المؤسسات الصحية.
ويواصل المخطط الاستراتيجي الوطني المندمج حتى 2030 بناء هذه الدينامية عبر أهداف أكثر جرأة وطموحًا؛ حيث تسعى وزارة الصحة إلى بلوغ 95% من التغطية الوقائية داخل الفئات الأكثر عرضة، وتوسيع التدخلات لتشمل 165 ألف شخص، إضافة إلى رفع عدد المستفيدين من العلاج بالميثادون إلى 4,000 شخص. ويتضمن المخطط كذلك إجراء 1.6 مليون اختبار سنوي لفيروس نقص المناعة البشرية، وتأمين العلاج لـ21,500 شخص، إلى جانب فحص 2.5 مليون شخص للكشف عن التهاب الكبد الفيروسي.
وبهذه الرؤية الممتدة، يتجه المغرب نحو ترسيخ نموذج صحي اجتماعي يقوم على دمج العلاجات مع الوقاية، وتوحيد الجهود بين المؤسسات، والاعتماد على مقاربة تقوم على الكرامة الإنسانية كأساس في حماية الصحة العامة. وفي بلد يواجه تحديات متعددة في مجال الصحة والمجتمع، يُظهر هذا المسار أن مكافحة السيدا لم تعد مجرد برنامج صحي، بل ورشًا وطنيًا متكاملًا يترجم الإرادة المغربية في بناء منظومة حماية فعالة وعادلة لكل المواطنين
الرئيسية





















































