سويكا وصفت المغرب بشريك "موثوق ورئيسي" في إطار تنفيذ الميثاق الجديد من أجل المتوسط، وهو التزام يعكس مكانة المملكة المتقدمة في سياسة الجوار الأوروبية، ويؤكد أنها لم تعد مجرد شريك تقني في ملفات محدودة، بل فاعل استراتيجي تتقاطع معه مصالح الاتحاد الأوروبي في ملفات حيوية تشمل الأمن، الطاقة، الهجرة، التغير المناخي، والتنمية المستدامة.
وفي سياق متصل، أعلنت المفوضة الأوروبية أن الحوار بين الطرفين سيتواصل في الأسابيع المقبلة، من خلال زيارة مرتقبة لها إلى المغرب، ما يؤشر على إرادة سياسية قوية لتوسيع نطاق التعاون وفتح آفاق جديدة للشراكة.
سياسة جوار بنَفَس استراتيجي
العلاقات المغربية الأوروبية ليست وليدة اللحظة، بل ثمرة مسار طويل من التقارب المتدرج، توجت بمنح المغرب صفة "الوضع المتقدم" منذ 2008. غير أن المرحلة الحالية تشهد نقلة نوعية، حيث باتت الشراكة تأخذ طابعاً استراتيجياً متعدداً، يتجاوز البُعد الاقتصادي التقليدي إلى التنسيق السياسي في القضايا الإقليمية، لا سيما بعد تحولات ما بعد كوفيد، وأزمة أوكرانيا، وتنامي التهديدات الأمنية في الساحل والصحراء.
في هذا السياق، تتزايد حاجة أوروبا إلى شركاء موثوقين في جنوب المتوسط. والمغرب، بسياساته المستقرة وموقعه الجيوستراتيجي وتقدمه في الإصلاحات، يُقدم نفسه كمرتكز أساسي في هندسة الاستقرار الإقليمي، سواء عبر التنسيق في مكافحة الهجرة غير النظامية، أو عبر انخراطه في مشاريع طاقة نظيفة تهم القارة الأوروبية.
إجماع أوروبي حول دور المغرب
الاعتراف الأوروبي بأهمية الشراكة مع المغرب لا يقتصر على التصريحات الثنائية، بل يشكل مضموناً رسمياً تم تثبيته في أعلى مستويات القرار الأوروبي. ففي اجتماع المجلس الأوروبي ليوم 17 أكتوبر 2024، جدّد رؤساء الدول والحكومات تأكيدهم على "القيمة الكبيرة" التي يوليها الاتحاد الأوروبي للعلاقات مع المغرب، مشددين على ضرورة الحفاظ عليها وتعزيزها في مختلف مجالات التعاون.
هذه المواقف تنضاف إلى ما عبّرت عنه رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، خلال زيارات سابقة، حيث أكدت أن "المغرب شريك موثوق وضروري لأمن واستقرار القارة الأوروبية".
المغرب وأوروبا... مصالح متقاطعة وتحديات مشتركة
من الملفات التي تجمع المغرب والاتحاد الأوروبي اليوم، تبرز قضية الهجرة كنقطة تقاطع بارزة. المغرب، الذي ظل يُعالج هذه الظاهرة بمنطق التعاون وليس التوظيف السياسي، يتقاسم مع أوروبا الحاجة إلى مقاربة شمولية تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد التنموية والحقوقية، بعيداً عن منطق الأسوار.
في المجال الطاقي، تعززت الشراكة المغربية الأوروبية في السنوات الأخيرة، خاصة في إطار مشاريع الهيدروجين الأخضر والربط الكهربائي. كما ينخرط المغرب في سياسة مناخية طموحة، تنسجم مع الأهداف الأوروبية للانتقال الطاقي، ما يفتح الباب أمام شراكات صناعية واستثمارية جديدة.
لكن رغم هذا الزخم، لا تزال بعض التحديات قائمة، منها قضايا التبادل التجاري في المجال الفلاحي والبحري، والتي تخضع أحياناً لتقلبات سياسية داخلية لدى بعض الدول الأعضاء في الاتحاد. وهنا تظهر أهمية تحصين الشراكة ضد التوظيف الظرفي، وتثبيتها في رؤية استراتيجية واضحة، قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.