وقد جاء اعتراف وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، ناعمة بن يحيى، خلال جلسة برلمانية، ليؤكد أن هذا الوضع لم يعد مقبولًا. وصفت تنظيم مهنة العمل الاجتماعي وتحسين أوضاع الفاعلين الاجتماعيين بـ"الضرورة الوطنية المستعجلة". لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا تُرك هذا القطاع يتخبط لعقود رغم أنه الركيزة الأساسية لأي دولة تسعى لبناء "دولة اجتماعية" حقيقية؟
قانون تنظيمي متأخر وتطبيق متعثر
بعد سنوات من الفراغ القانوني، أُقر أخيرًا القانون رقم 45.18 الذي يؤطر مهنة العمل الاجتماعي، إلا أن تطبيقه العملي لا يزال بطيئًا. آلاف الفاعلين الاجتماعيين يعملون في ظروف غامضة، بلا سلم أجور واضح أو حماية اجتماعية كافية، ولا اعتراف رسمي بمهنتهم. ورغم قيامهم بسد ثغرات الدولة في مراكز الرعاية والخدمات الاجتماعية، فهم غالبًا يعملون بعقود مؤقتة مع جمعيات، بأجور زهيدة لا تتجاوز في كثير من الأحيان 3000 درهم.
تعد الوزارة بتنزيل المراسيم التطبيقية، وتحديد شروط التكوين، وإنشاء لجان الاعتماد، وتفعيل الشبابيك الجهوية لاستقبال الطلبات، لكن هل يكفي هذا لإعادة الاعتبار لمهنة ظلت مهمشة لفترة طويلة؟ كما تشير الباحثة السوسيولوجية نوال المالكي: «لا يمكن بناء دولة اجتماعية بمهن غير معترف بها، لا بد من منح الفاعلين الاجتماعيين وجودًا قانونيًا ورمزيًا حقيقيًا».
تحديات التكوين ومستقبل غير واضح
تضم محاور الإصلاح المعلن هدفًا طموحًا: تكوين 10 آلاف فاعل اجتماعي بحلول سنة 2030، بالشراكة مع وزارة التعليم العالي. لكن التحدي الأكبر يكمن في التنفيذ، إذ تفتقر المعاهد الوطنية للعمل الاجتماعي والجامعات إلى الموارد الكافية لاستيعاب هذا العدد الكبير من المتدربين، كما أن الآفاق المهنية غير واضحة. هل سيُدمجون في الوظيفة العمومية، أم سيظلون في وضع هش يعملون لدى جمعيات ممولة مؤقتًا؟
الإصلاح الحقيقي يتطلب أكثر من التكوين، فهو يستدعي وضع سياسة إدماج واضحة ومستقرة تضمن حقوق الفاعلين الاجتماعيين وتكرم جهودهم.
اعتراف دون ضمانات: مفارقة تهدد المصداقية
الغريب أن الحكومة تعترف بالدور الحيوي للفاعلين الاجتماعيين في تطبيق السياسات الاجتماعية، لكنها لا توفر لهم أبسط شروط الكرامة المهنية والحماية. يُتوقع منهم القيام بأدوار متعددة: مرشدين نفسيين، وسطاء اجتماعيين، مصلحين، وأحيانًا عمال ميدانيين، دون توفر أدوات أو حماية أو آفاق مستقبلية.
يقول أحد الفاعلين الاجتماعيين: «نعمل في أحياء صعبة نواجه فيها التهميش والعنف، ونتقاضى رواتب لا تغطي حتى الحد الأدنى للحياة، نتحمل أعباء أكبر مما نقدر عليه، لكننا نظل غير مرئيين لا للسياسات ولا للإعلام». هذا الواقع ليس مجحفًا فحسب، بل يشكل خطرًا على مصداقية البرامج الاجتماعية برمتها.
مؤسسات ضعيفة الموارد
بينما تتحدث الوزيرة عن إنشاء لجان حكامة وشبابيك جهوية وبرامج تواصلية، لا يتضح من أين ستأتي الموارد البشرية والمالية اللازمة لإنجاح هذه المشاريع. في الواقع، تقع معظم الأعباء على كاهل الجمعيات، التي تعاني هي الأخرى من نقص التمويل وتراكم المسؤوليات.
يفتقر قطاع العمل الاجتماعي إلى مركز تنسيق فعال يحدد المسؤوليات بوضوح بين الوزارة، الجماعات الترابية، والمجتمع المدني، مما يؤدي إلى تكرار الجهود وهدر الموارد وضعف التأثير.
الاعتراف الحقيقي: شراكة وحضور فاعل
الاعتراف بالفاعلين الاجتماعيين لا يقتصر على إصدار القوانين، بل يتطلب الاستماع إليهم، وتمكينهم من المشاركة الحقيقية في وضع السياسات وتنفيذها. عليهم أن يتحولوا من منفذين صامتين إلى شركاء فاعلين في صياغة الخطط الاجتماعية.
فهم ليسوا مجرد أدوات تنفيذ، بل هم شهود على معاناة الناس، وجسور ثقة بين الدولة والمجتمع. دعمهم لا يعزز فقط وضعهم المهني، بل يقوي المنظومة الاجتماعية بأكملها.
لا إصلاح اجتماعي دون عدالة مهنية
إذا أراد المغرب بناء نموذج اجتماعي متين، يجب أن يبدأ من الفاعلين الاجتماعيين الذين يعملون في الميدان، يواجهون الواقع يوميًا، ويعيشون تحدياته. هؤلاء هم نبض الدولة الاجتماعية، وتركهم دون دعم يعني خسارة هذا النبض والروح التي تحرك برامج الدعم الاجتماعي.
العمل الاجتماعي ليس مجرد مهنة، بل مرآة المجتمع. فإما أن نحترم هذه المهنة ونمنحها مكانتها الحقيقية، أو نعيش في مجتمع يعاني من الجروح دون علاج ولا من ينصت