وأشار المسؤول إلى أن التحديات الجيوسياسية والاقتصادية والمناخية المتسارعة التي يشهدها العالم تفرض على المملكة ضرورة تبني رؤية مستقبلية واضحة ومتناسقة، تستند إلى تحليل معمق ومتعدد الأبعاد. وأضاف أن الدول التي ستتمكن من مواجهة هذه التحديات بنجاح هي تلك التي تملك رؤية استراتيجية طويلة الأمد وتنسق سياساتها العمومية وفقها، معتبراً أن المغرب لا يمكنه الاستغناء عن هذا النهج لبناء مستقبل مستدام ومزدهر.
كما أكد على الدور المركزي الذي تلعبه المؤسسة الملكية في توفير الاستقرار السياسي والقدرة على استشراف المستقبل، مسلطاً الضوء على المبادرات الملكية مثل الدعوة إلى اعتماد نموذج تنموي جديد، التي تعكس البعد الاستراتيجي في التسيير العمومي ورغبة المملكة في التحول نحو نموذج تنموي متجدد.
من جانبه، أوضح المندوب السامي للتخطيط أن المندوبية تلعب دورًا محوريًا في اليقظة والتحليل الاستراتيجي، من خلال متابعة تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، وتحليل نتائج الإحصاء العام للسكان لسنة 2024، إضافة إلى إنجاز دراسات استشرافية ضمن مشروع "المغرب 2030" الذي أُطلق منذ عام 2003.
وأشار إلى أن التخطيط التقليدي لم يعد كافياً في ظل التحولات السريعة التي يشهدها العالم، لكن تبني العقلية التخطيطية الحديثة يبقى ضرورياً، مع الاستفادة من أدوات التحليل الاستراتيجي المتقدمة لتعزيز القدرة على التوقع والتأقلم مع المستجدات.
وتم خلال اللقاء التأكيد على أهمية ترسيخ الاستشراف على المستوى الترابي، لاسيما في إطار الجهوية المتقدمة، حيث يعد الاستشراف أداة رئيسية للنجاح في تحقيق التنمية وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية بين الجهات. وأكد المتحدثون على ضرورة تطوير مؤشرات مستقبلية فعالة تعتمد على بيانات موثوقة وتحليلات دقيقة.
كما تم التأكيد على أهمية الاستفادة من التقنيات الحديثة، وخاصة الذكاء الاصطناعي واستخدام المعطيات الضخمة (Big Data)، لتعزيز القدرات التحليلية والاستشرافية للمؤسسات الوطنية، وهو ما من شأنه رفع جودة التخطيط واتخاذ القرارات الاستراتيجية المبنية على أسس علمية.
وشدّد المندوب السامي على أن الاستشراف الناجح لا يمكن أن يكون نتاج جهد فردي، بل يتطلب تعاونًا جماعيًا يشمل مختلف الفاعلين من مؤسسات حكومية، وقطاع خاص، وجامعات، ومراكز بحث، بالإضافة إلى المجتمع المدني، لبناء مسارات وطنية جماعية برؤية واضحة ومشتركة. وفي هذا الإطار، دعا إلى إنشاء شبكة وطنية للذكاء الاستراتيجي تكون متصلة بالشبكات الدولية لتبادل الخبرات والممارسات الفضلى.
ويأتي هذا اللقاء أيضاً لتخليد مرور خمسين سنة على تأسيس مدرسة علوم الإعلام، التي أسهمت في تكوين أطر متميزة في مجالات الإعلام وتحليل المعطيات واليقظة الاستراتيجية، مما دعم جهود المملكة في تطوير أدواتها التحليلية ومجالات التخطيط.
وفي ختام الفعالية، تم التأكيد على أن المغرب بحاجة إلى تعميق ثقافة الاستشراف والذكاء الاستراتيجي في مختلف مناحي الحياة العمومية، لتحقيق تخطيط علمي وتشاركي يسهم في تجاوز العشوائية، ويضمن بناء مستقبل مزدهر ومستدام للمملكة، يعكس طموحاتها في التنمية والتقدم