الرئيسية
عرّف المشاركون الثقافة كمجموعة من القيم والتقاليد والممارسات والمعارف التي تشكل هوية المجتمع وتنتقل بين الأجيال، معتبرين الفنون (موسيقى، أدب، مسرح، حلقة) جوهر الممارسة الثقافية، بينما اعتبروا التراث المادي وغير المادي (الآثار، المتاحف، اللغات، الطقوس) عنصرًا أساسيًا للحفاظ على الذاكرة الجماعية.
ونقّح الشباب أيضًا مفهوم التعليم الثقافي باعتباره مسارًا لتكوين الحس الفني عبر المؤتمرات والمعارض والأنشطة المدرسية والجامعية، وركّزوا على دور النوادي والجمعيات والرحلات المدرسية في تحويل المعرفة إلى ممارسة اجتماعية، مما يجعل من الثقافة وسيلة للتنشئة المدنيّة والاندماج المجتمعي.
وأشار المشاركون إلى أن تجارب الطفولة المتعلقة بالمناسبات الدينية والوطنية والمحلية (الأعياد، المواسم، التبوريدة، المهرجانات الشعبية، المسيرة الخضراء...) لعبت دورًا مركزيًا في تكوين الانتماء والهوية، كما ركزوا على مساهمة الأسرة ووسائل الإعلام والزيارات المدرسية في بث القيم وتنمية الفضول التاريخي والثقافي.
ونوّه الشباب خلال مرحلة المراهقة والجامعة بتأثير المهرجانات الجامعية، الأندية الثقافية، المؤتمرات، وورشات العمل على تعميق الانفتاح الفكري وتنمية المهارات الإبداعية، كما سجّلوا أهمية التخصصات الجامعية والبرامج المتقدمة (مثل ماجستير الإدارة الثقافية) في تحويل الاهتمام إلى فاعلية وممارسة مهنية ثقافية.
وطالب المشاركون أخيرًا بالاعتراف المتزايد بالثقافة الرقمية كفضاء جديد لإنتاج ونشر المحتوى الثقافي، مؤكدين أن السياسات العمومية تحتاج إلى استثمار متكامل في الرأسمال غير المادي: حفظ التراث، تطوير البنية الثقافية المادية، دعم التكوين والتدريب، وتمكين الجمعيات والفضاءات المحلية لمواكبة التحولات الشبابية والتكنولوجية.
بيّن التصميم المنهجي للدراسة (عينة 220 شابًا/شابة من 15 إلى 44 سنة وعرض النتائج في فضاء جهوي رسمي) رغبة مؤسساتية حقيقية في قراءة العلاقة بين الثقافة والشباب، لكن حجم العينة وطبيعتها يطرحان سؤالًا حول تمثيلية النتائج لمنظومة جهوية وطنية أوسع؛ يحتاج صانع القرار إلى توسيع العينات وترحيل البحث نوعيًا للحصول على توصيات أكثر دقة.
وتكشف إجابات الشباب عن ازدواجية في فهم الثقافة: بعد محافظ وقيمي يرتبط بالتراث والمناسبات، وبعد فعّال يرتبط بالممارسة اليومية والتعليم والتكوين. هذه الازدواجية تضع أمام المؤسسات تحديًا مزدوجًا — المحافظة على التراث كمرتكز للهوية، وفي الوقت نفسه تحديث الفضاءات الثقافية لتواكب التعبيرات الشبابية المعاصرة والرقمية.
وتُظهر الدراسة بوضوح أن تجربة الطفولة تشكّل المدخل الحساس للانتماء الثقافي؛ إذ تُعرّف المناسبات والاحتفالات المنزلية والمهرجانات المحلية الأطفال على العناصر الرمزية للهوية. ومن ثمّ، يجب أن تُصمّم السياسات الثقافية برامج موجهة للأطفال تدمج التعلم التربوي بالخبرة الحسية (زيارات ميدانية، ورش عملية)، لا أن تظل الثقافة قطاعًا احتفاليا فقط.
وتشدّد نتائج المراحل اللاحقة (المدرسية والجامعية) على الدور الحاسم للجمعيات والفضاءات الجامعية في تنمية مهارات الإبداع والتعاون. لذلك، ينبغي للسياسات أن تدعم بنى تحتية جامعية ومجتمعية ثقافية، وتربط بين التكوين الأكاديمي وفرص الانخراط الميداني (تدريب، مشاريع ثقافية محلية)، لتفادي الفجوة بين المعرفة النظرية والمهارة التطبيقية.
وتؤكد الإشارات المتكررة إلى الثقافة الرقمية والأشكال الجديدة لنشر المحتوى أن الخريطة الثقافية الشبابية لم تعد محصورة في الفضاءات التقليدية. يلزم إدماج استراتيجيات رقمية: تمويل منصات محلية، تدريب الشباب على مهارات الإنتاج الرقمي، وحماية الملكية الثقافية في الفضاء الافتراضي، مع الحرص على شمولية الوصول (بنية رقمية) لتفادي استبعاد شرائح هشة.
في الختام، تقدم الدراسة مداخل قيّمة لصياغة سياسة ثقافية مرتبطة بالتماسك الاجتماعي والاندماج الشبابي، لكنها تحتاج إلى خطوات تكميلية: تعميق البحث (نوعيًا وكمّيًا)، رصد مؤشرات أداء واضحة، وآليات تمويل مستدامة تربط القطاع الثقافي ببرامج التشغيل والتعليم العمومي، لتتحول النتائج من توصيات إلى برامج قابلة للتنفيذ
