وأوضحت البيانات الرسمية أن أرباح الشركات المالية وغير المالية بلغت نحو 421 مليار درهم، أي ما يعادل 1.8 مرة كتلة الأجور الموزعة البالغة 224 مليار درهم، مما يثير تساؤلات حول مدى استفادة الطبقة الشغيلة من النمو الاقتصادي المنتعش الذي يشهده المغرب في السنوات الأخيرة
الشركات المصدر الرئيسي للثروة: إنتاجية مرتفعة مقابل أجور محدودة
تشير الأرقام إلى أن الشركات شكلت 45.7% من الناتج الداخلي الإجمالي الوطني، مؤكدة دورها المركزي في خلق الثروة. إلا أن القيمة المضافة تبقى مركزة في يد أصحاب رؤوس الأموال، بينما لم تشهد الأجور نفس الوتيرة التصاعدية، ما يعكس التفاوت الكبير بين ما يحققه أصحاب المشاريع من أرباح وبين ما يحصل عليه الأجراء.
ويبرز هذا التفاوت الهيكلي أن الدينامية الاقتصادية الحالية تكرّس تراكم الأرباح في الشركات، دون انعكاس ملموس على القدرة الشرائية للأسر، في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة وتزايد الضغوط المعيشية.تدخل الدولة لتعويض ضعف الأجور: دعم مستمر للقدرة الشرائية
مع محدودية الأجور في تغطية احتياجات الأسر، اضطرت الدولة إلى تعزيز قدرتها الشرائية عبر التحويلات الاجتماعية والدعم الحكومي، حيث امتلكت الأسر والمؤسسات غير الهادفة للربح نحو 63.1% من إجمالي الدخل الوطني المتاح البالغ 1059.7 مليار درهم.
وقد ساهم هذا التدخل في زيادة القدرة الشرائية بمقدار 5.1 نقاط، لكنه جاء بتكلفة مالية كبيرة على الخزينة العمومية، إذ لجأت الدولة إلى الاستدانة لتغطية الاحتياجات التمويلية، بما في ذلك 48.8 مليار درهم من السوق الداخلي و19 مليار درهم من الديون الخارجية، ما يعكس الاعتماد على الاقتراض لتعويض ضعف الأجور من القطاع الخاص.
الأسر المغربية: استهلاك مرتفع وهامش ادخار محدود
كشف التقرير عن هشاشة الوضع المالي للأسر، حيث تستهلك 89.2% من دخلها المتاح، ما يترك هامش ادخار محدوداً عند 11.3% فقط. ويعكس هذا الواقع محدودية قدرة الأسر على الاستثمار، إذ لم تساهم سوى بـ26.1% من إجمالي تكوين رأس المال الثابت، مقابل استحواذ الشركات على 59.2% من الاستثمار الوطني (422.5 مليار درهم).
ويترسخ بذلك دور الأسر كـ “مستهلك نهائي” للثروة، بينما تظل الشركات المصدر الأساسي للاستثمار والراكم للثروة، مما يخلق هيمنة مالية واضحة لقطاع الشركات على الاقتصاد الوطني.
القطاع المالي يتجه نحو التحفظ: ارتفاع الودائع مقابل تراجع القروض
على صعيد آخر، أظهر التقرير سلوكاً مالياً حذراً من قبل البنوك، حيث تراجعت القروض الممنوحة من 65.5 مليار درهم سنة 2023 إلى 41.9 مليار درهم في 2024، في حين سجلت الودائع تدفقاً صافياً قياسياً قدره 152.3 مليار درهم.
كما انخفضت قروض الشركات غير المالية إلى 12.9 مليار درهم، ما يعكس اتجاهها نحو تحصين أرباحها وسيولتها بدلاً من المخاطرة في مشاريع استثمارية جديدة. ويشير هذا التحفظ إلى احتمالية تباطؤ وتيرة النمو المستقبلي إذا استمر القطاع الخاص في التركيز على تراكم السيولة بدل توسيع استثماراته.
وتطرح هذه المعطيات أسئلة جدية حول فعالية توزيع ثمار النمو الاقتصادي في المغرب، وحول قدرة السياسات الحالية على معالجة التفاوت الكبير بين رأس المال والعمل. كما تؤكد الحاجة إلى مزيد من التدابير التي تعزز الأجور وتوسع فرص الاستثمار للأسر، مع اعتماد آليات تشجيع الشركات على ضخ السيولة في مشاريع توسعية تساهم في تعزيز التنمية الاقتصادية الشاملة.
ويبرز التقرير أيضاً أهمية متابعة الوضع المالي للقطاع البنكي، وضمان أن الموارد السيولة الهائلة التي تحتفظ بها البنوك تتحول تدريجياً إلى استثمارات داعمة للنمو، بما يخلق توازناً بين تراكم الأرباح وتعزيز القدرة الشرائية للأسر المغربية
الرئيسية





















































