ورغم هذا الأصل القانوني، أتاحت المدونة، على سبيل الاستثناء، إمكانية الإذن بزواج القاصرين، مع إحاطة هذا الإجراء بشروط دقيقة وأسندت البت فيه إلى القضاء، وفق ما تنص عليه المادتان 20 و21. وشدد التقرير على أن هذا الاستثناء لا ينبغي أن يتحول إلى قاعدة، بل يظل خاضعاً لتقدير قضائي صارم يستحضر المصلحة الفضلى للطفل كمعيار أساسي.
وفي هذا السياق، أبرزت رئاسة النيابة العامة أنها جعلت من محاربة تزويج القاصرين أولوية منذ إحداثها، من خلال مواكبة مستمرة لتنزيل المقتضيات القانونية ذات الصلة. وشملت هذه المقاربة تنظيم دورات تكوينية لفائدة قضاة النيابة العامة، وإطلاق مبادرات تواصلية، إلى جانب إصدار دوريات توجيهية تهدف إلى تعزيز اليقظة المهنية، وحث النيابات العامة على التفاعل المسؤول مع هذا الملف الحساس، والانخراط في البرامج الوطنية الرامية إلى الحد من هذه الظاهرة.
وانعكست هذه التوجهات، حسب التقرير، على الممارسة العملية للنيابات العامة، حيث تم الحرص على تتبع مسار طلبات الإذن بزواج القاصرين منذ إيداعها، مع الأمر بإجراء الأبحاث الاجتماعية والخبرات الطبية عند الاقتضاء، وتقديم ملتمسات واضحة ومعللة، تستند إلى معايير موضوعية وتوازن بين النص القانوني والواقع الاجتماعي.
وعلى المستوى الإحصائي، سجل التقرير خلال سنة 2024 ما مجموعه 16.960 طلباً رائجاً للإذن بزواج القاصرين، مسجلاً ارتفاعاً مقارنة بسنة 2023 التي عرفت 16.419 طلباً، أي بزيادة تقارب 11 في المائة. وتوزعت هذه الملفات بين 16.735 طلباً جديداً خلال سنة 2024، و225 طلباً متبقياً من السنة السابقة، ما يعكس استمرار الضغط على القضاء في هذا الملف.
وأظهر توزيع الطلبات حسب الجنس أن الإناث يشكلن النسبة الساحقة من الحالات المعروضة، بـ16.710 طلبات، مقابل 250 طلباً فقط تخص الذكور، وهو معطى يؤكد الطابع البنيوي لظاهرة تزويج القاصرات، وما تطرحه من إشكالات مرتبطة بالهشاشة الاجتماعية والاقتصادية.
أما بخصوص تدخلات النيابة العامة، فقد أشار التقرير إلى الأمر بإجراء 1.836 بحثاً اجتماعياً، و2.642 خبرة طبية أولية، إضافة إلى 375 خبرة طبية ثانية، فضلاً عن 6.039 حالة جمعت بين البحث الاجتماعي والخبرة الطبية، في محاولة لتكوين صورة شاملة عن وضعية القاصرين المعنيين قبل اتخاذ القرار القضائي. كما سجل التقرير 106 ملفات صُرح فيها بعدم الاختصاص، بما يعكس الحرص على احترام القواعد الإجرائية.
وخلص التقرير إلى أن مقاربة رئاسة النيابة العامة تقوم على تحقيق توازن دقيق بين معالجة الواقع الاجتماعي المعقد، والالتزام الصارم بروح مدونة الأسرة والاتفاقيات الدولية، بما يكرس حماية الطفولة ويحد من تحول الاستثناء القانوني إلى ممارسة اعتيادية
الرئيسية





















































