يركز الحدث على فتح حوار وطني شامل حول الفرص والتحديات التي تطرحها تقنيات الذكاء الاصطناعي في قطاعات حيوية مثل الصناعة، الصحة، التعليم، الطاقة، والأمن. وتتناول الجلسات مواضيع دقيقة تتعلق بالحكامة الرقمية، بناء الثقة، القيم الأخلاقية، ودور الذكاء الاصطناعي في دعم الإعلام وتعزيز الديمقراطية، وهو ما يعكس إدراك المغرب العميق للحاجة إلى اعتماد توازن دقيق بين التقدم التكنولوجي وحماية الحقوق والحريات.
في تصريحاتها، أكدت وزيرة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، أمل فلاح السرغوشني، أن المغرب يمتلك قاعدة بشرية متميزة في مجالات الرياضيات والهندسة، وهو ما يمكنه من لعب دور ريادي في الذكاء الاصطناعي على مستوى القارة الإفريقية. وأشارت إلى أن الوزارة تضع نصب أعينها تعبئة التمويلات من خلال شراكات أوروبية، مما يؤكد توجه المغرب لتعزيز التعاون الدولي في هذا المجال الاستراتيجي.
لا يقتصر الطموح المغربي على البنية التحتية الرقمية فقط، حيث كشفت الوزيرة عن مشاريع ضخمة تشمل إنشاء مراكز بيانات متطورة في عدة مدن رئيسية مثل الرباط، الدار البيضاء، بنسليمان، بنجرير، والداخلة، ما يوفر دعما قويا لسير الأنظمة الرقمية ويسهم في رفع مستوى الأمن السيبراني. من الناحية الأكاديمية، تقرر تمويل 150 أطروحة دكتوراه متخصصة في الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، ما يعكس تركيز المغرب على تطوير رأس المال البشري، وربط البحث العلمي باحتياجات السوق المستقبلية.
وفي خطوة تشريعية مهمة، أعلن المغرب عن قرب إصدار قانون خاص بالإدارة الرقمية، بهدف تنظيم الإطار القانوني الذي يواكب الثورة الرقمية ويضع قواعد واضحة للخصوصية، الأمن، وحوكمة البيانات. على الصعيد المؤسساتي، تم إنشاء مديرية جديدة مختصة بالذكاء الاصطناعي داخل وزارة الانتقال الرقمي، لتعزيز القدرة على تصميم وتنفيذ مشاريع الذكاء الاصطناعي بما يتماشى مع التوجيهات الملكية السامية التي ترمي إلى جعل المغرب قوة اقتصادية وعلمية في مجال التكنولوجيا الحديثة.
وتجسد مبادرة إنشاء مؤسسة “الجزري” هذه الطموحات الوطنية، حيث تعمل هذه المؤسسة على دعم وتمويل الأبحاث التطبيقية، وتشجيع الابتكار في مختلف جهات المملكة، مع التركيز على مجالات الفلاحة والري، وهما قطاعان حيويان بالنسبة للاقتصاد المغربي. تحمل المؤسسة اسم العالم المسلم أبو العز بن إسماعيل الجزري، الذي وضع أسس الهندسة الميكانيكية، في إشارة إلى الإرث الحضاري والتاريخي الذي يعزز مكانة المغرب كبلد يجمع بين التقاليد والحداثة.
ويأتي هذا التطور في وقت يشهد فيه العالم منافسة شديدة في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث تستثمر الولايات المتحدة نحو 500 مليار دولار، والصين ما يقارب 132 مليار دولار في هذه التكنولوجيا المتقدمة. ويطرح هذا الواقع تحديات كبيرة للدول النامية ومنها المغرب، في كيفية تسريع وتيرة تطوير قدراتها الرقمية للحاق بركب الثورة التكنولوجية العالمية.
وتمثل هذه المناظرة خطوة استراتيجية هامة تعكس إدراك المغرب لأهمية الذكاء الاصطناعي كقوة محركة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. فبخلاف نظرة التقنية البحتة، يسعى المغرب إلى بناء منظومة متكاملة تجمع بين البعد التكنولوجي والأخلاقي والاجتماعي، ما يجعله نموذجًا يحتذى به في العالم العربي وإفريقيا.
كما أن التركيز على الحكامة والثقة والأخلاقيات، في ظل تنامي المخاوف العالمية من استغلال الذكاء الاصطناعي بطرق قد تضر بالخصوصية وحقوق الإنسان، يظهر وعيًا متقدمًا بالآثار الاجتماعية لهذه التكنولوجيا. كما أن توجيه الاستثمارات نحو البنية التحتية الرقمية والتعليم والبحث العلمي، يؤسس لقاعدة صلبة لتطوير القدرات المحلية، وهو ما سيجعل المغرب في موقع تنافسي على الساحة الدولية، خصوصًا مع وجود قارة إفريقيا التي تمثل سوقًا ضخمة وفرصة نمو هائلة