تعكس "قرية المقاولات الناشئة" ملامح الجيل الجديد من المشاريع المغربية، التي لا تكتفي بتطوير حلول تقنية، بل تسعى إلى مواءمتها مع الواقع المحلي، وجعل التكنولوجيا أداة للتنمية والمساواة. فمقاولة "تيلمي كود" مثلًا، استطاعت من خلال مساعدها الدراسي الذكي "تلميذ بلوس" أن تقدم نموذجًا مبتكرًا لتوظيف الذكاء الاصطناعي في دعم التلاميذ ومواكبة الأسر في التحديات الدراسية، عبر محتوى تربوي يراعي الهوية المغربية ويؤمن بالعدالة الرقمية.
أما شركة "أبا تكنولوجي"، فقد وضعت الذكاء الاصطناعي في خدمة الصحة، من خلال حلول ذكية للتشخيص عن بعد، تسعى لتقليص الفجوة الصحية بين المناطق الحضرية والقرى المعزولة. هذا التوجه يشكل ترجمة فعلية لما يمكن أن يحققه الذكاء الاصطناعي إذا ما تم توجيهه نحو إشكاليات واقعية في المجتمع المغربي.
اللافت في هذه القرية ليس فقط تنوع المشاريع، بل أيضًا الثقة التي أصبحت تحظى بها المقاولات المغربية لدى الفاعلين الاقتصاديين، إذ لم تعد تطمح فقط إلى إيجاد موطئ قدم محلي، بل باتت تتطلع للتوسع إقليميًا ودوليًا، كما أكد ممثلو عدة شركات خلال تصريحاتهم.
من جهة أخرى، كشفت مشاركة شركة "أوت سورسيا" عن أهمية الذكاء الاصطناعي في قطاع ترحيل الخدمات، الذي يشكل رافعة تصديرية مهمة للمغرب، ويمنح المقاولات الناشئة فرصة التموقع في سلاسل القيمة الدولية.
وتُظهر هذه الدينامية أن المغرب بصدد الانتقال من مرحلة "استيراد الذكاء" إلى مرحلة "تصدير الذكاء"، وهو ما يستدعي تعزيز بيئة الإبداع، من خلال تمويلات مرنة، وتأطير قانوني يضمن الملكية الفكرية، وبنى تحتية رقمية قوية.
المناظرة الوطنية حول الذكاء الاصطناعي، التي تنظمها وزارة الانتقال الرقمي تحت شعار “استراتيجية ذكاء اصطناعي فعالة وأخلاقية في خدمة مجتمعنا”، تسعى بدورها إلى وضع خارطة طريق سيادية للذكاء الاصطناعي، تكون قادرة على موازنة الطموح التكنولوجي بالاعتبارات الأخلاقية، واستثمار القدرات المغربية في بناء نموذج تنموي رقمي خاص.