حياتنا

منظومة التربية على المواطنة: هل نُعلِّم أبناءنا كيف يعيشون مع الآخرين؟


داخل الأقسام الدراسية، وبين دفاتر التمارين وسبورات الطباشير، يُفترض أن تبدأ أولى دروس المواطنة. تلك القيم التي تجعل من الطفل كائنًا اجتماعيًا قادرًا على احترام القانون، التعايش مع الآخر، والمشاركة في بناء مجتمعه. لكن هل المدرسة المغربية تؤدي فعلاً هذا الدور التكويني؟ أم أن الفجوة تتسع يومًا بعد يوم بين الشعارات التربوية والممارسة الواقعية؟



تشير نتائج دراسة المركز المغربي للمواطنة إلى أن دور المدرسة في تكوين السلوك المدني لم يعد واضحًا أو فعّالًا بالشكل المطلوب. فقط 59,7% من المستجوبين يرون في المدرسة فاعلًا حقيقيًا في التربية على المواطنة، وهي نسبة كاشفة عن أزمة ثقة في المؤسسة التربوية. هذه الأرقام لا تعكس فقط تراجعًا في الأداء، بل تعبّر عن خيبة أمل متزايدة لدى الأسر من قدرة المدرسة على بناء المواطن لا فقط المتعلم.
 

المشكلة أعمق من مجرد محتوى نظري. فمناهج التربية المدنية، التي يُفترض أن تكون القلب النابض للتنشئة على القيم، غالبًا ما تُقدَّم بشكل جاف، تقني، ومجتزأ عن التجربة الحياتية للتلميذ. تُختزل المواطنة في حفظ بعض التعاريف أو ترديد مبادئ عامة، دون ربطها بالواقع المعاش. فلا أثر لمفاهيم مثل احترام الاختلاف، أو التسامح، أو الحق في التعبير، في السلوك اليومي داخل الفصول.
 

ثم هناك الجو المدرسي، الذي يُفترض أن يكون حاضنًا تربويًا. في مؤسسات يغيب فيها العدل، ويُهمَّش فيها الطفل المختلف بسبب وضعه الاجتماعي أو الجغرافي، يصبح الحديث عن احترام الآخر خطابًا فارغًا. في مدارس لا تتوفر على مراحيض لائقة، ولا تتيح للتلاميذ فضاءات للحوار أو التعبير، كيف نُرسّخ لديهم قيمة الانتماء والمسؤولية الجماعية؟ كيف نُقنعهم بأنهم جزء من مشروع مشترك، إذا كانت المدرسة نفسها لا تعكس تلك الصورة؟
 

ولا يمكن تجاهل أزمة المعلم. فقدان المعلم لمكانته الاجتماعية، وتدهور أوضاعه المادية والمعنوية، حوّله في أحيان كثيرة من مرجعية تربوية إلى موظف مثقل بالضغط. فكيف ننتظر من شخص يشعر بالتهميش أن يُنمي في الآخرين شعورًا بالكرامة والانتماء؟ كيف نطلب من معلم مُنهك أن يكون حاملًا لقيم المواطنة وهو نفسه لا يشعر بأنه مواطنٌ محترم في منظومة تُهمله؟
 

الأمر يتعدى التعليم بمفهومه التقليدي، ليصل إلى جوهر المشروع المجتمعي. المدرسة ليست فقط فضاء لتلقين المعارف، بل هي المختبر الأول لبناء الإنسان المواطن. وإذا لم تتحول التربية على المواطنة إلى ممارسة يومية، تُترجم في تفاصيل الحياة المدرسية، من التعامل مع التلميذ، إلى طرق تقويمه، إلى إشراكه في القرارات، فإنها ستبقى مجرد بند في وثائق رسمية لا أكثر.
 

كما أن هذه المسؤولية لا تقع على المدرسة وحدها. فالأسرة، الإعلام، الفضاء العام، كلها مؤسسات للتنشئة. لكن يظل الرهان الأكبر على المدرسة، لأنها الوحيدة التي تملك فرصة التأثير المُنتظم والعميق على أجيال المستقبل. وإذا ضاعت هذه الفرصة، فإننا لا نُهدِر فقط إمكانيات بشرية، بل نحكم على مجتمعنا بالعجز عن إنتاج مواطن فاعل ومسؤول


التربية على المواطنة، المدرسة المغربية، القيم المدنية، التعليم في المغرب، المواطنة، السلوك المدني، المناهج الدراسية


Aicha Bouskine
عائشة بوسكين صحافية خريجة المعهد العالي للإعلام والاتصال، باحثة في العلوم السياسية وصانعة محتوى في إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الجمعة 6 يونيو 2025

              

آخر الأخبار | حياتنا | صحتنا | فن وفكر | لوديجي ستوديو | كتاب الرأي | هي أخواتها | تكنو لايف | بلاغ صحفي | لوديجي ميديا [L'ODJ Média] | المجلة الأسبوعية لويكاند | اقتصاديات | كلاكسون


Bannière Réseaux Sociaux

Bannière Lodj DJ
















تحميل مجلة لويكاند







Buy cheap website traffic