المقاربة التي اعتمدتها المندوبية لا تقتصر على البعد المالي فقط، بل تتوسع لتشمل عناصر حيوية تمس جودة الحياة، كالصحة والتعليم وظروف السكن، وهي الأبعاد التي تُوزَّن بالتساوي لقياس مدى الفقر. فوفق هذا النهج، تُصنف الأسرة فقيرة إذا كانت تعاني من حرمان يشمل ثلث المؤشرات المعتمدة على الأقل، ما يسمح برصد مظاهر العجز الاجتماعي التي قد لا تعكسها المؤشرات النقدية التقليدية.
ورغم هذا التقدم، كشفت البيانات استمرار الفوارق المجالية بحدة، إذ يتمركز حوالي 70% من الفقراء في خمس جهات رئيسية، أبرزها فاس-مكناس ومراكش-آسفي، بينما لا تزال نسبة الفقر مرتفعة بشكل لافت في أقاليم مثل فجيج وتاونات. كما أن الوسط القروي يضم 72% من إجمالي الفقراء، في حين أن بعض الجهات الجنوبية كجهة العيون-الساقية الحمراء تسجل نسب فقر منخفضة جدًا.
وسُجلت أبرز التحسينات في جهات كانت تعاني سابقًا من نسب مرتفعة للفقر، مثل مراكش-آسفي وبني ملال-خنيفرة، إذ استفادت من سياسات عمومية موجهة عززت من جهود التقارب المجالي. في المقابل، ظلت نسب التراجع محدودة في الجهات الحضرية الكبرى والأقاليم الجنوبية التي كانت أساسًا أقل تأثرًا.
أما على مستوى الأقاليم، فقد شهدت معظمها تحسنًا عامًا في معدلات الفقر متعدد الأبعاد، خصوصًا تلك التي كانت في وضعية هشة في 2014، مثل أزيلال وشيشاوة والصويرة. ومع ذلك، فإن هذه المكاسب لم تُلغِ الفوارق المجالية، حيث ما زالت بعض الأقاليم تُسجل معدلات فقر تتجاوز ضعف المعدل الوطني، وتستأثر بثلث عدد السكان الذين يعيشون في الهشاشة.
وفيما يتعلق بالمستوى الجماعي، فقد سجلت 93.8% من الجماعات بالمغرب انخفاضًا في الفقر متعدد الأبعاد، مع أداء أقوى في القرى مقارنة بالمجال الحضري. ولوحظ أن الجماعات التي كانت أكثر فقراً في 2014 عرفت تحسنات بارزة، بينما بقيت جماعات أخرى تعاني من نسب مرتفعة رغم التحسن العام.
وبحسب المندوبية، فإن الخريطة الوطنية الجديدة للفقر متعدد الأبعاد، المعتمدة على معطيات الإحصاءين العامين، تُعد أداة مرجعية لفهم أعمق لأوجه الحرمان الاجتماعي. كما تمثل هذه الخريطة دعامة لتصميم سياسات عمومية تستجيب لخصوصيات المجالات الترابية المختلفة، في إطار تفعيل الجهوية المتقدمة وتحسين جودة حياة المواطنين بشكل عادل ومتوازن