وتشير خلاصات التقرير إلى أن هذا التراجع لا يتعلق فقط بانتهاكات مادية ملموسة، بل يتجاوز ذلك إلى إهانات رمزية تُمارس بصمت يومي في الشوارع، والإدارات العمومية، ووسائل النقل، وحتى في البيئات التربوية. فـكبار السن، الذين يُفترض أن يُقابَلوا بالتقدير والاحترام، كثيرًا ما يواجهون مظاهر الجفاء، والتذمر من بطء حركتهم، أو حتى السخرية من هشاشتهم، مما يرسخ في أذهانهم شعورًا بالتهميش والعجز.
أما الأشخاص في وضعية إعاقة، فيواجهون عراقيل مركبة لا تقتصر على غياب الولوجيات أو الخدمات الملائمة، بل تشمل أيضًا نظرات الشفقة التي تُفرغ التعاطف من معناه، أو أخرى تُشيح عنهم باعتبارهم عبئًا غير مرئي في الفضاء العام. وهذا الشكل من العنف، رغم كونه غير مادي، إلا أن أثره النفسي والمعنوي لا يقل قسوة عن أي شكل من أشكال الإقصاء.
ويُحذّر التقرير من أن غياب الوعي المجتمعي بهذه الأشكال من العنف الرمزي يكرّس نوعًا من القبول الضمني بها، حيث يتحول الصمت الجماعي إلى تواطؤ غير معلن. ويضيف أن المؤسسات الرسمية لم تنجح بعد في تقديم أجوبة فعالة، سواء عبر السياسات التربوية أو الإعلامية أو القانونية، مما ساهم في تعميق الهوة بين الشعارات الحقوقية والواقع المعيشي اليومي.
على المستوى التربوي، تؤكد الدراسة أن ضعف الأسرة في لعب دورها التوجيهي، وفشل المدرسة في ترسيخ ثقافة الاحترام والتعاطف، ساهما في تطبيع سلوكات قائمة على التسلط، والنفور من الآخر المختلف، والتعامل مع الفئات الضعيفة بدون حس إنساني. أما الإعلام، فغالبًا ما يغيب عنه المحتوى التوعوي الذي يُعزز من قيم العيش المشترك، ويُعيد الاعتبار للمواطنين الهشّين كجزء أصيل من النسيج الاجتماعي.
وتضيف الدراسة أن استمرار هذا التدهور يهدد ليس فقط التماسك المجتمعي، بل أيضًا مصداقية المشاريع التنموية والحقوقية في البلاد. فحين يشعر جزء من المجتمع أن كرامته غير مصونة، وأن وجوده في الفضاء العام مشروط بالقدرة البدنية أو الشكل الخارجي أو النفوذ المالي، فإن فكرة المواطنة تصبح مجرد خطاب فارغ لا ينعكس في الحياة اليومية.
المفارقة المؤلمة، بحسب الباحثين الذين أشرفوا على الدراسة، أن المغرب يمتلك رصيدًا رمزيًا قويًا في ما يتعلق بالقيم الإنسانية والتضامن، إلا أن هذا الرصيد يتهالك أمام غياب سياسات تترجمه إلى ممارسات. فبدون تأطير قانوني يفرض الاحترام، ودون حملات دائمة تُحفّز على التعايش، ودون رموز سياسية وثقافية تتحلى بالتواضع والسلوك المدني، سيظل العنف الرمزي ينخر في صمت جسد المجتمع.
وفي ختام التقرير، شدد المركز المغربي للمواطنة على أن مواجهة هذه الظاهرة تتطلب تدخلاً منسقًا على أكثر من مستوى: إعادة الاعتبار لدور الأسرة في التربية، إصلاح المنظومة التعليمية بما يضمن ترسيخ القيم المدنية، تأهيل الفضاءات العمومية لتكون شاملة لجميع الفئات، وسنّ قوانين رادعة لأي شكل من أشكال الإقصاء أو التمييز. كما دعا التقرير إلى إطلاق حملات تواصلية ذكية، بعيدة عن التوجيه الأخلاوي التقليدي، تلامس وجدان الناس وتُعيد تعريف فكرة الاحترام باعتبارها جوهرًا للكرامة لا امتيازًا مشروطًا