وفي سياق الحديث عن هذا التحول، رصد التقرير أيضًا تغيرات ملموسة في المشهد الإعلامي الوطني، خصوصا بعد الإفراج عن عدد من الصحافيين المعتقلين والمنفيين في يوليوز 2024 بموجب عفو ملكي بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لاعتلاء الملك محمد السادس العرش، وهي خطوة اعتبرها كثيرون مؤشرا على بداية انفراج في مناخ حرية الصحافة. غير أن هذا التطور، ورغم دلالاته الرمزية، لم يبدد الشكوك المحيطة بمدى استمرارية هذه الانفراجات، خاصة على مستوى الإعلام الجهوي والمنصات المستقلة التي ما تزال تواجه تحديات بنيوية وقانونية.
وارتباطًا بهذا الانفتاح النسبي، سجّل التقرير ارتفاعًا سنويًا بنسبة 23.7% في إنتاج المحتوى الإعلامي داخل المغرب، مشيرًا إلى أن شهر غشت 2024 شهد وحده نشر أكثر من 136 ألف مقال، معظمها عبر الإنترنت. ويُعزى هذا النشاط المتزايد جزئيًا إلى السياق الوطني والدولي، لا سيما في ظل استعدادات المملكة لاستضافة كأس العالم 2030، مما حفّز مختلف المنابر الإعلامية على تكثيف تغطيتها ومواكبتها للحدث.
ومن جهة أخرى، بيّن التقرير أن هذا الزخم الإعلامي يتغذى أساسًا من اعتماد متزايد على المنصات الرقمية، حيث تصدّرت يوتيوب وفيسبوك قائمة الوسائل التي يعتمدها المغاربة للحصول على الأخبار، تليها إنستغرام وتيك توك، وهو ما يعكس طبيعة التفاعل اليومي مع المحتوى السمعي البصري، خاصة في أوساط الشباب. وفي هذا الإطار، أشار التقرير إلى توسع استخدام مجموعات واتساب وتطبيق تيليغرام كقنوات غير رسمية لتداول الأخبار، ما يطرح تحديات جديدة تتعلق بالمصداقية وسرعة انتشار الأخبار الزائفة.
ولا يخفى أن هذا الانتقال الرقمي ترافقه مخاوف واضحة، إذ عبّر 54% من المشاركين في استطلاع المعهد عن صعوبة التمييز بين الأخبار الحقيقية والمضللة على الإنترنت، بينما اعتبر أكثر من نصفهم أن المؤثرين الرقميين يمثلون التهديد الأكبر في هذا السياق، يليهم السياسيون ووسائل الإعلام نفسها. وتعكس هذه المعطيات تراجعًا في معايير الثقة التقليدية، وارتباكًا في ما يتعلق بمن يُصنّف كجهة موثوقة في نقل المعلومات.
وفي الجانب القانوني، نبه التقرير إلى استمرار محاكمة الصحافيين بناءً على مقتضيات القانون الجنائي، رغم أن قانون الصحافة والنشر لسنة 2016 ألغى العقوبات السالبة للحرية في قضايا النشر، وهو ما يُبرز التناقض القائم بين النصوص القانونية والممارسات الفعلية، ويغذي المخاوف من توظيف القضاء كأداة للضغط على حرية التعبير. وتتعمق هذه المخاوف بعد إقرار قانون جديد يُقيد قدرة الجمعيات على متابعة قضايا الفساد، ما يشكل ضربة لمسار الترافع المدني عن الشفافية والحق في المعلومة.
ورغم كل هذه التحديات، سجّل المغرب قفزة بـ24 مركزًا في مؤشر حرية الصحافة العالمي الصادر عن منظمة "مراسلون بلا حدود"، ليصل إلى المرتبة 120، وهو تحسن نسبي اعتبره التقرير مؤشرا على تحركات إيجابية في المشهد الإعلامي، مدعومة بمبادرات المجتمع المدني، مثل الورشة الإقليمية التي نظمتها النقابة الوطنية للصحافة المغربية بشراكة مع الاتحاد الدولي للصحافيين في الدار البيضاء، والتي هدفت إلى تعزيز آليات التتبع والدفاع عن استقلالية الإعلام.
و خلص تقرير معهد رويترز إلى أن الإعلام المغربي يقف حاليًا على مفترق طرق، حيث يتجاذبه من جهة تطور ملموس في الرقمنة والانفتاح على أدوات جديدة للتواصل والإنتاج الإعلامي، ومن جهة أخرى استمرار ضغوط قانونية ومؤسسية تحد من حرية التعبير وتُبقي المهنة الصحافية رهينة توازنات سياسية وقضائية هشة، في انتظار إصلاحات أكثر عمقًا ومصداقية