استمع لهذه القصيدة الموسيقية / عدنان بن شقرون
أولئك الذين ما زالوا يحبون القراءة
سُبْحَانَ مَنْ خَلَقَ الإِنْسَانَ مُكْرَمَةً
وَجَعَلَ فِي الإِبْهَامِ سِرًّا لا يُضَاهِى
بِهِ اصْطَفَانَا، وَفِيهِ الآيُ مُعْجِزَةٌ
تُسْقِطُ فِي الْبُهْتَانِ زَيْفَ المُدَّعِى الرَّائِي
يَا إِبْهَامُ، يَا أُسَّ الحَضَارَةِ فَاخْتَصِرْ
كَيْفَ ارْتَقَى الإِنسَانُ مِنْ ظِلٍّ إِلَى نُورِ
مَا خَطَّ قَلَمٌ، وَلا نُقِشَتْ مَعَالِمُهُ
إِلَّا وَكَانَتْ لَكَ الآثَارُ فِي السُّطُورِ
وَمَا صَنَعَتْ كَفٌّ، وَمَا بَنَتِ المَنَاشِرُ
إِلَّا وَفِيكَ يَدُ الزَّمَانِ عَلَى البُدُورِ
أَنْتَ الأَمِينُ عَلَى الوُجُودِ وَفِيهِ مَا
يَسْتَنْبِتُ الْعَقْلُ الْكَوَانِينَ الحُقُوقِيَّةَ وَالشُّعُورِ
أَنْتَ القَلَمْ، وَمَا القَلَمُ سِوَاكَ إِلَّا
مَجَازُ فِكْرٍ يُوَارِي السِّرَّ فِي التَّصْوِيرِ
فَمَا كَتَبَ الإِنسَانُ إِلَّا وَقَدْ سَبَقَتْ
إِشَارَةٌ مِنْكَ لِلْعَقْلِ التَّفْكِيرِيِّ
فَصَلُّوا عَلَى مَنْ جَاءَ بِالقَلَمِ الْهُدَى
فَتَفَجَّرَتْ أَنْهَارُ فِكْرٍ فِي الضَّمِيرِ
وَسُورَةُ القَلَمِ الْمُبَارَكَةِ ابْتِدَاءٌ
لِكُلِّ عَهْدٍ فِيهِ يُحْيَا كُلُّ نَوْرِ
يَا سِرَّ إِبْدَاعٍ وَيَا بَصْمَةَ خَالِقِنَا
فِي الخَلْقِ، فِي التَّدْبِيرِ، فِي التَّسْخِيرِ
لَوْلَاكَ مَا سَارَتْ رُكْبَانُ المَعَارِفِ فِي
بَحْرِ الزَّمَانِ عَلَى مَدًى مَسْطُورِ
بِكَ اسْتَقَرَّتْ فِي الأُفُقِ الْعُلُومُ وَمَا
انْهَارَتْ لَنَا أَرْكَانُهَا فِي التَّصْوِيرِ
بِكَ ارْتَقَيْنَا فَوْقَ جِبَالٍ وَفِي
عَيْنِ الخَيَالِ تَجَاوَزْنَا الْحُدُودَ بِتَفْكِيرِ
مَا زِلْتَ تُعَلِّمُنَا، وَفِيكَ مَآثِرٌ
تَتْرَى كَمَا يَتَوَالَى الضَّوْءُ فِي السَّرِيرِ
مَا زِلْتَ تَفْتَحُ فِي الأُفُقِ اقْتِرَاحَاتٍ
تَجْتَازُ كُلَّ نِهَايَةٍ وَسُدُودِ دَهْرٍ غَيْرِ يَسِيرِ
كَمْ مِنْ كَتِيبَةِ عِلْمٍ كُنْتَ بَادِئَهَا
وَفِي مَتَاهَاتِهَا أَنْتَ الدَّلِيلُ الكَبِيرُ
تَسْقِي الضَّمَائِرَ بِالْمَعَانِي مُنْذُ أَنْ
قَالَ الإِلَهُ: "اعْلَمْ" فَكَانَ الْبَابُ مَفْتُوحًا لِكُلِّ قُدُورِ
مَا أَعْجَبَ الْخَلْقَ! فِي الإِبْهَامِ بَلْغَتْنَا
سُؤْدُدَنَا، وَفِيهِ سَطَّرْنَا المَسِيرَةَ بِالفُخُورِ
كَمْ مِنْ عُقُولٍ قَدْ نَمَتْ فِي كَفِّنَا،
وَصَنَعْنَا التَّارِيخَ، لَا فِي الحَظِّ وَالتَّقْدِيرِ
وَلَا عَجَبٌ إِنْ كَانَ فِيكَ السِّرُّ مَحْفُوظًا
وَكَيْفَ لَا؟ وَأَنْتَ مِنْ نَفْحِ القُدُورِ
يَا قُدْرَةَ الرَّحْمَنِ فِي التَّصْوِيرِ مُطْلَقَةً
فِي عُضْوِ صَغِيرٍ يَحْمِلُ الْفَتْحَ الكَبِيرَ
لِكُلِّ أُمَّةِ قَلَمٌ، وَفِي قَلَمِ الرُّؤَى
بَقِيَتْ مَعَالِمُهَا عَلَى وَجْهِ الدُّهُورِ
فَلْيَكُنْ إِبْهَامُكَ الْمِصْبَاحَ فِي يَدِكَ
وَكُنْ سَنَاهُ فِي سَفَرِ الحُقُوقِ وَفِي النُّشُورِ
مَا عَادَ فِيهِ جُهُولٌ يَسْتَبِيحُ بِنَا
دَرْبَ الظُّلَامِ، وَفِي الإِبْهَامِ تَغْيِيرِي
أَنْتَ الأَمَانَةُ فِي يَدَيْنَا، فَاحْتَرِزْ
أَلَّا تَخُونَ، فَمَا لِبَاطِلٍ فِيكَ تَسْيِيرِي
هَذَا بَيَانٌ لِمَنْ فَكَّرْتَ فِي نِعَمٍ
خُفِيَتْ، وَلَكِنْ بَصَائِرُنَا لَهَا نَاظِيرِي
فَاشْكُرْ إِلَهَكَ، وَاجْعَلْ كُلَّ إِبْدَاعٍ
مِنْ رُوحِ هَذَا الإِبْهَامِ المَنِيرِ النَّضِيرِ
وَجَعَلَ فِي الإِبْهَامِ سِرًّا لا يُضَاهِى
بِهِ اصْطَفَانَا، وَفِيهِ الآيُ مُعْجِزَةٌ
تُسْقِطُ فِي الْبُهْتَانِ زَيْفَ المُدَّعِى الرَّائِي
يَا إِبْهَامُ، يَا أُسَّ الحَضَارَةِ فَاخْتَصِرْ
كَيْفَ ارْتَقَى الإِنسَانُ مِنْ ظِلٍّ إِلَى نُورِ
مَا خَطَّ قَلَمٌ، وَلا نُقِشَتْ مَعَالِمُهُ
إِلَّا وَكَانَتْ لَكَ الآثَارُ فِي السُّطُورِ
وَمَا صَنَعَتْ كَفٌّ، وَمَا بَنَتِ المَنَاشِرُ
إِلَّا وَفِيكَ يَدُ الزَّمَانِ عَلَى البُدُورِ
أَنْتَ الأَمِينُ عَلَى الوُجُودِ وَفِيهِ مَا
يَسْتَنْبِتُ الْعَقْلُ الْكَوَانِينَ الحُقُوقِيَّةَ وَالشُّعُورِ
أَنْتَ القَلَمْ، وَمَا القَلَمُ سِوَاكَ إِلَّا
مَجَازُ فِكْرٍ يُوَارِي السِّرَّ فِي التَّصْوِيرِ
فَمَا كَتَبَ الإِنسَانُ إِلَّا وَقَدْ سَبَقَتْ
إِشَارَةٌ مِنْكَ لِلْعَقْلِ التَّفْكِيرِيِّ
فَصَلُّوا عَلَى مَنْ جَاءَ بِالقَلَمِ الْهُدَى
فَتَفَجَّرَتْ أَنْهَارُ فِكْرٍ فِي الضَّمِيرِ
وَسُورَةُ القَلَمِ الْمُبَارَكَةِ ابْتِدَاءٌ
لِكُلِّ عَهْدٍ فِيهِ يُحْيَا كُلُّ نَوْرِ
يَا سِرَّ إِبْدَاعٍ وَيَا بَصْمَةَ خَالِقِنَا
فِي الخَلْقِ، فِي التَّدْبِيرِ، فِي التَّسْخِيرِ
لَوْلَاكَ مَا سَارَتْ رُكْبَانُ المَعَارِفِ فِي
بَحْرِ الزَّمَانِ عَلَى مَدًى مَسْطُورِ
بِكَ اسْتَقَرَّتْ فِي الأُفُقِ الْعُلُومُ وَمَا
انْهَارَتْ لَنَا أَرْكَانُهَا فِي التَّصْوِيرِ
بِكَ ارْتَقَيْنَا فَوْقَ جِبَالٍ وَفِي
عَيْنِ الخَيَالِ تَجَاوَزْنَا الْحُدُودَ بِتَفْكِيرِ
مَا زِلْتَ تُعَلِّمُنَا، وَفِيكَ مَآثِرٌ
تَتْرَى كَمَا يَتَوَالَى الضَّوْءُ فِي السَّرِيرِ
مَا زِلْتَ تَفْتَحُ فِي الأُفُقِ اقْتِرَاحَاتٍ
تَجْتَازُ كُلَّ نِهَايَةٍ وَسُدُودِ دَهْرٍ غَيْرِ يَسِيرِ
كَمْ مِنْ كَتِيبَةِ عِلْمٍ كُنْتَ بَادِئَهَا
وَفِي مَتَاهَاتِهَا أَنْتَ الدَّلِيلُ الكَبِيرُ
تَسْقِي الضَّمَائِرَ بِالْمَعَانِي مُنْذُ أَنْ
قَالَ الإِلَهُ: "اعْلَمْ" فَكَانَ الْبَابُ مَفْتُوحًا لِكُلِّ قُدُورِ
مَا أَعْجَبَ الْخَلْقَ! فِي الإِبْهَامِ بَلْغَتْنَا
سُؤْدُدَنَا، وَفِيهِ سَطَّرْنَا المَسِيرَةَ بِالفُخُورِ
كَمْ مِنْ عُقُولٍ قَدْ نَمَتْ فِي كَفِّنَا،
وَصَنَعْنَا التَّارِيخَ، لَا فِي الحَظِّ وَالتَّقْدِيرِ
وَلَا عَجَبٌ إِنْ كَانَ فِيكَ السِّرُّ مَحْفُوظًا
وَكَيْفَ لَا؟ وَأَنْتَ مِنْ نَفْحِ القُدُورِ
يَا قُدْرَةَ الرَّحْمَنِ فِي التَّصْوِيرِ مُطْلَقَةً
فِي عُضْوِ صَغِيرٍ يَحْمِلُ الْفَتْحَ الكَبِيرَ
لِكُلِّ أُمَّةِ قَلَمٌ، وَفِي قَلَمِ الرُّؤَى
بَقِيَتْ مَعَالِمُهَا عَلَى وَجْهِ الدُّهُورِ
فَلْيَكُنْ إِبْهَامُكَ الْمِصْبَاحَ فِي يَدِكَ
وَكُنْ سَنَاهُ فِي سَفَرِ الحُقُوقِ وَفِي النُّشُورِ
مَا عَادَ فِيهِ جُهُولٌ يَسْتَبِيحُ بِنَا
دَرْبَ الظُّلَامِ، وَفِي الإِبْهَامِ تَغْيِيرِي
أَنْتَ الأَمَانَةُ فِي يَدَيْنَا، فَاحْتَرِزْ
أَلَّا تَخُونَ، فَمَا لِبَاطِلٍ فِيكَ تَسْيِيرِي
هَذَا بَيَانٌ لِمَنْ فَكَّرْتَ فِي نِعَمٍ
خُفِيَتْ، وَلَكِنْ بَصَائِرُنَا لَهَا نَاظِيرِي
فَاشْكُرْ إِلَهَكَ، وَاجْعَلْ كُلَّ إِبْدَاعٍ
مِنْ رُوحِ هَذَا الإِبْهَامِ المَنِيرِ النَّضِيرِ
الإِبْهَامُ... آيَةُ السَّمَاءِ فِي يَدِ الإِنْسَانِ
تتناول هذه القصيدة بروحٍ شعريةٍ وفلسفيةٍ فكرةَ أن "القلم" المذكور في القرآن الكريم قد يكون رمزًا لإبهام الإنسان، ذلك الإصبع الفريد الذي خصّه الله به دون سائر المخلوقات. في أربعة عشر مقطعًا بأسلوب كلاسيكي على نهج علال الفاسي، يُمجِّد الشاعر الإبهام باعتباره أصل الحضارة، وأداة العلم، ووسيلة الاكتشاف. فهو القلم الحقيقي الذي كُتبت به العلوم، وصُنعت به الأدوات، وشُيّدت به المعارف. يُصوَّر الإبهام كآيةٍ إلهيةٍ اختُزل فيها سرّ الاستخلاف، وانطلقت منها قدرات الإنسان العقلية والإبداعية عبر العصور. لا يقدَّم هنا كعضوٍ تشريحيٍّ فحسب، بل كرمزٍ كونيٍّ لولا وجوده لما خُطّ تاريخ، ولا وُلدت حضارة. تمزج القصيدة بين البلاغة الكلاسيكية والإيقاع الحديث، لتبني تأمّلًا شعريًّا في نعمة منسية، وتدعو القارئ إلى شكر الخالق على ما وهبه لنا من أدوات الوعي والتميّز.