يكتسب هذا التصنيف الأوروبي أهمية بالغة، لا سيما أنه صدر في وقت تتطلع فيه الجزائر لتوسيع شبكة علاقاتها الدولية، خصوصًا مع أوروبا وآسيا، وتعمل على تعزيز حضورها في ملفات الطاقة والأمن والتكنولوجيا. غير أن بروكسيل، من خلال هذا التصنيف، تبرز قلقها من خلل تشريعي ومؤسساتي عميق في الجزائر، خصوصًا فيما يتعلق بالتتبع المالي وتحليل تدفقات الأموال المشبوهة.
المفوضية الأوروبية لم تعتمد خطابًا تصعيديًا أو إجراءات عقابية فورية، بل فضّلت التريث عبر خطوة رسمية تصعب التعامل المالي مع الجزائر. هذه الرسالة "الناعمة" تكشف عن تحديات حقيقية تواجه النظام المالي الجزائري في تلبية معايير الشفافية والرقابة المطلوبة، مما يضع العقبات أمام المستثمرين والشركات الأوروبية ويُثير مخاوف من تجميد الاستثمارات وتأخير التحويلات المالية.
تعتمد المفوضية الأوروبية في قراراتها على تقييمات مجموعة العمل المالي الدولية (GAFI)، التي تعد المرجع العالمي في مراقبة التزام الدول بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. الجزائر، رغم موقعها الجيوسياسي المرموق، تجد نفسها إلى جانب دول تواجه أزمات مالية وسياسية عميقة مثل لبنان وفنزويلا، مما يقلل من مصداقيتها ويؤثر سلبًا على مكانتها الدولية.
التبعات العملية لهذا التصنيف تعني فرض إجراءات رقابية مشددة على التحويلات المالية بين البنوك الأوروبية والجزائرية، وهو ما قد يعقّد المعاملات المالية ويُعيق التدفق الاستثماري، في وقت تشهد فيه الأسواق العالمية حالة من التوتر وعدم اليقين.
على الجانب الآخر، يخرج المغرب من هذه الأزمة الأوروبية بمكاسب غير مباشرة، إذ لم يُدرج اسمه في هذه القائمة، مما يعكس تقديرًا لمصداقيته المؤسساتية وجهوده في تحديث إطاره القانوني وتعزيز التعاون مع الهيئات الدولية. هذا الواقع يعزز من مكانة المغرب كشريك أمني ومالي موثوق به في نظر الاتحاد الأوروبي، ويُبرز الفجوة الواضحة بين المغرب والجزائر في إدارة الملفات المالية والمخاطر المرتبطة بها.
الرسالة الأوروبية في هذه الحالة لا تقتصر على الجزاء أو النقد، بل تحمل دعوة ضمنية للجزائر لإعادة النظر في بنيتها التشريعية والمؤسساتية، والقيام بإصلاحات حقيقية تعيد بناء ثقة المجتمع الدولي. فالانضمام إلى "اللائحة السوداء" ليس نهاية المطاف، وإنما اختبار جدي لدفع عجلة الشفافية والحكامة، التي تعد مفاتيح العودة إلى المسار الطبيعي للعلاقات المالية والاقتصادية الدولية.
في النهاية، تقع الجزائر عند مفترق طرق حاسم: إما أن تختار الإصلاح والشفافية لتتحول إلى نموذج في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، أو أن تستمر في عزلة تضغط عليها دولياً، وتعيق تطورها الاقتصادي والسياسي. تظل الرسالة الأوروبية واضحة: لا استثناءات ولا تساهل مع الشفافية والحوكمة، فالثقة الدولية لا تُمنح بل تُكتسب عبر الممارسة الجادة والالتزام المستمر