تعاني المدن كذلك من تفشي ظاهرة التسول التي لم تعد سلوكًا فرديًا عابرًا، بل تحولت إلى شبكة منظمة تستغل الفئات الضعيفة، لا سيما الأطفال والنساء. فقد أبدى 92,2% من المشاركين في الدراسة استيائهم من هذا الانتشار المقلق، الذي تسبب في شكوك مجتمعية حول مدى مشروعية هذا النوع من الطلب على المساعدة، بين من هم فعلاً في حاجة ومن يستغلون الوضع لاستثمار التعاطف الشعبي.
ولا تقتصر المشاكل على ذلك فقط، إذ يشكو المواطنون من ممارسات مزعجة أخرى مثل التحرش في الشوارع، وانتشار الكلاب الضالة، والتلوث البصري الذي يضر بالمظهر العام، إلى جانب الانفلات الأخلاقي الذي يطبع بعض الأماكن العامة. تعكس هذه الظواهر في مجموعها خللاً عميقًا في علاقة الفرد بالمكان، وإخفاقًا واضحًا للدولة في فرض سلطة القانون وتنظيم الفضاءات الحضرية.
ينتج عن هذا الواقع شعور متزايد لدى السكان بأنهم غرباء في مدنهم، وأن الحياة داخلها لم تعد تحمل معاني النظام والحضارة التي يجب أن تميز الفضاء الحضري، بل أصبحت مرادفًا للضجيج والتوتر والضغط النفسي المستمر. هذا الوضع يطرح تساؤلات حقيقية حول طبيعة الأزمة: هل هي فشل في التخطيط العمراني والتنظيم الحضري؟ أم أنها انعكاس لأزمة قيم اجتماعية وثقافية أعمق؟ الواقع يؤكد أن الأمر يتعلق بمزيج من الاثنين.
لذلك، تبقى ضرورة استرجاع سلطة القانون وفرض احترام الفضاء المشترك، مع إيجاد توازن بين الحاجات الاجتماعية والانضباط المدني، من الأولويات الملحة. إذ بدون ذلك، ستستمر مدننا في الانزلاق نحو الفوضى، متجاوزة كل محاولات الإصلاح، ومحولة الحياة الحضرية إلى معاناة يومية يعيشها المواطنون تحت وطأة الواقع المعقد والمتشابك